محمود سالم صائد المغامرين.. علاقة الأخوة تتفاعل مع علاقة الصداقة فيصبح الأخوة أصدقاء والأصدقاء أخوة



ولد محمود سالم عام 1929م , وهو كاتب ألغاز المغامرين الخمسة التي تعد  أشهر سلسلة مغامرات بوليسية عربية, كذلك سلسلة الشياطين ال13
قرأ محمود سالم في اللغة الإنجليزية مغامرات يقوم بها مجموعة من الأصدقاء فأعجبته الفكرة وقرر تقديمها للمكتبة العربية لأن الناشئ العربي لا يجد احتياجاته الذهنية والشعورية فيما يقرأ من قصص للأطفال أو أعمال للكبار, إن المرحلة التي وجه إليها محمود سالم أعماله تشمل الطفولة المتأخرة وبداية المراهقة, تلك المرحلة التي يسعى فيها الناشئة لتكوين الشخصية والبحث عن هدف والتطلع إلى دور اجتماعي ونيل ثقة من حولهم مع الشعور باستقلالهم وتصل فيها علاقة الصداقة التي تمثل الاختيار الحر إلى قمة توهجها وذروة اتقادها.. وقبل أن يسطر قلم محمود سالم أول ألغازه في سلسلة المغامرين الخمسة وهو "لغز الكوخ المحترق" كان يعمل في دار الهلال التي كانت – ومازالت- تصدر كثيرا من المجلات منها ما يخص الأطفال, وكانت مجلة "سمير" في النصف الثاني من خمسينيات القرن العشرين قد أصبحت المجلة المصرية العربية الأولى التي ينتظرها أطفال المرحلة الابتدائية على وجه الخصوص صباح كل أحد, وفي سنوات الاستنزاف بعد نكسة 5 يونيو 1967م حملت هذه المجلة مهمة بث الوعي الوطني لدى الطفل المصري فكانت قصص المغامرات مجالا خصبا لهذه الفكرة وظهرت شخصيات تحمل هموم البلاد وتدافع عنها ضد العدو الذي احتل جزءا من أرضها أو الذين يساعدونه من الجواسيس أو الأعداء الذين يغتصبون حق المواطن الأمين في الداخل من أمثال تجار السموم واللصوص والمحتالين ومن أهم الشخصيات التي ارتبط بها قراء "سمير" آنذاك البواسل وهم مجموعة من "الكشافة" يشاركون في حراسة حدود الوطن وإغاثة المظلوم ورد الحقوق لأصحابها, كذلك "دندش وكراوية" الأول فتى يبيع الجرائد والثاني صبي يشتغل في المقهى وقد كونا ثنائيا للمساعدة في كشف العصابات التي تهدد أمن البلد وقد شارك محمود سالم في الكتابة لهؤلاء الأبطال على صفحات مجلة "سمير" قبل أن ينطلق إلى عالم الألغاز الذي حقق فيه نجاحا عظيما, لذلك لا تعد ألغاز المغامرين الخمسة بداية هذا المبدع في عالم القص البوليسي وكتابة المغامرات, كما لم تكن الألغاز هي خاتمة أعماله لأنه طور فكرة المغامرين الخمسة وابتكر سلسلة جديدة هي الشياطين ال 13 التي حققت نجاحا لكنه لا يصل إلى نجاح المغامرين الخمسة الذين ارتبط بهم الأطفال والناشئة في مطلع السبعينيات من القرن العشرين ولاشك أن ظروفا سياسية واجتماعية ساعدت على هذا النجاح من أهمها حاجة القارئ وقتئذ لشخصيات مصرية قادرة على مواجهة الأعداء وكشف الحقيقة في فترة صعبة من تاريخ البلاد كان الحس الوطني فيها في قمة التوهج لتعويض انكسار النكسة وإذا كان هذا الحس مرتفعا لدى المصريين كلهم فإن الأطفال الذين يخطون إلى عالم الكبار متجاوزين دنيا الاعتماد التام على الغير ومتطلعين إلى تحقيق شخصيتهم وكيانهم الخاص كانوا أشد الفئات توهجا ورغبة في صياغة عالم المدينة الفاضلة الذي تتحقق فيه العدالة والشفافية ويجد كل واحد مكانه متحديا الأعداء ومثبتا للكبار أنه جدير بالانتماء إلى الوطن والارتقاء بالإنسانية.
    المغامرون الخمسة:محب وأخته نوسة وعاطف وأخته لوزة وتوفيق (تختخ) وكلبه "زنجر".. كانوا أربعة قبل أن ينضم إليهم ذاك الولد السمين بصحبة كلبه الأسود الذكي إن المجموعة تقبله بداية على مضض وتشكك غير أنه يثبت لهم منذ اللغز الأول الذي يحله بمفرده تقريبا أنه الأفضل فيصبح عن طيب خاطر زعيمهم المحبوب.
الولد السمين هو الزعيم.. لماذا؟
وضعه محمود سالم هذا الموضع ليقول أكثر من كلمة:
- الشكل ليس مقياسا للعطاء.. فخلف الهيئة التي قد يسخر منها البعض توجد حكمة إلهية علينا أن نفهمها.. وقد يكون من نسخر منهم أفضل منا.
- في الإنسان مناطق قوة مختلفة عليه أن يبحث عنها ويستغلها.
- يجب ألا يصرفنا الاهتمام بهيئتنا الخارجية عن تنمية قدراتنا النفسية والذهنية والاجتماعية والسلوكية.
- على الإنسان ألا يستسلم لحكم الآخرين عليه ويتجاوز آراءهم فيه بعطائه وإثبات ذاته فإذا بمن يرفضه يبحث عنه ويحرص على صداقته.
يقدم محمود سالم في ألغاز المغامرين الخمسة كثيرا من المعاني الإنسانية النبيلة: إن علاقة الأخوة تتفاعل مع علاقة الصداقة فيصبح الأخوة أصدقاء والأصدقاء أخوة وتجتمع الأهداف الخاصة معا ليعيش المغامرون في سياق حميم يوحد رغباتهم وتطلعاتهم لكشف الحقائق ويلتقي هدفهم مع الهدف القومي للوطن الذي يسعى للعدالة المفتقدة في السياق العالمي ويحشد قواه لتحرير أرضه من المحتل وتظل القيمة الكبرى التي تعلمها الأطفال من الألغاز متمثلة في السعي الدائم للبحث عن الحقيقة فهذه القيمة تحرك كل أديب وعالم ومفكر وقاض ينشد العدالة ومفتش يحقق الأمن الاجتماعي لأسرته الإنسانية, كل هذه المثل يبثها محمود سالم في مغامرات ممتعة فالتشويق الذي تتميز به المغامرات يؤدي غرضا مهما في هذه المرحلة وهو غرس حب القراءة في سلوك الناشئة فيصبح الكتاب أحد العناصر الحيوية المهمة, يبحث الإنسان عنه ويقضي معه وقتا جميلا بوصفه خير صديق.
يؤسس محمود سالم قيمة فريق العمل في ألغازه وكل فرد في هذا الفريق له تميزه: توفيق (تختخ) هو العقل الذي يتجمع حوله الأصدقاء أو الطاقة المغناطيسية التي تجذبهم وتنطلق منه مشاريعهم وينصب عنده طموحهم, محب الرياضي القوي الشجاع الذي يمثل قوة الجسد, عاطف خفيف الظل المرح بميوله الفنية وخياله المبتكر, نوسة بذاكرتها الأرشيفية ودقتها ونظامها تمثل حكمة الإدارة, لوزة الأصغر سنا تصدر عنها آراء صائبة لم يتوصل إليها من حولها فتمثل بذلك الذكاء الفطري الخالص والاتقاد الروحي والتوهج الذهني الصافي والبديهة الحاضرة.
مفتش المباحث "سامي" هو الرؤية الحكيمة والضمير الواعي لجيل الكبار, إنه يعترف بالصغار حينما يرى تفوقهم فيفتح لهم مجال مساعدة العدالة ويحتضن طاقاتهم ويرعى نبوغهم.
أما الشاويش "علي" أو "فرقع" كما يطلق الأولاد عليه فهو رمز التقاليد الجامدة التي لا تعترف بمواهب الصغار وتقف في طريقهم.
وحي "المعادي" هو مركز نشاط المغامرين وقتها كان ضاحية هادئة ومازال يحتفظ بشيء من جماله وخضرته ومنازله الأنيقة ولكنه لا يقف حائلا في طريق المغامرين الممتد بحدود مصر والمنطلق أحيانا في فضاء عالمي فهناك ألغاز تحدث في الإسكندرية وبحيرة المنزلة وكفر الشيخ والواحات والسويس وفينيسيا المدينة العائمة كما يصفها عنوان أحد الألغاز.
وهناك تعاون بين المغامرين وأولاد في سنهم من الأماكن المختلفة التي تدور أحداث الألغاز فيها ويحرص المؤلف على أن يلتقي المغامرون بأقران لهم من دول عربية أو أفريقية ليقدم الأبعاد المختلفة لشخصية مصر.  
من لغز الفارس المقنع:
"انطلقت المرسيدس تخطف الطريق خطفا.. وقال "تختخ" وهو يغمض عينيه ويستلقي على المقعد: سأستغرق في التفكير.. فلا تحدثني إلا إذا حدث شيء مهم.. فلا بد أن أحل اللغز في الساعة القادمة.
نظر إليه "وجيه" مندهشا.. ثم عاد يركز انتباهه في قيادة السيارة التي كانت تطير على الأسفلت الأسود.
أخذ "تختخ" يستعيد القصة كاملة.. الحفلة.. "مكرم".. عم "منصور".. عم "منصور".. إن حديث عم "منصور" فيه حل اللغز.. وأخذ يسترجع ما قاله "منصور" كلمة.. كلمة.
"كنت أقف هنا.. ولاحظت أن الأستاذ "مكرم" وهو في ثياب المهرج يتجه من باب القصر إلى المكتب.. ثم دخل بعده مباشرة الفارس المقنع.. ودق جرس التليفون في تلك اللحظة في الصالة فأسرعت إليه لأرد.. وكان المتحدث هو "مجدي" من الإسكندرية وكان يريد التحدث إلى الأستاذ "مكرم".. وهناك وصلة تليفون في غرفة المكتب.. فانتظرت لحظة والسماعة على أذني لعل الأستاذ "مكرم" يرد مادام في غرفة المكتب.. وبدا لي أنني سمعت فعلا السماعة ترفع وقد يبدو أني كنت واهما.. فقد وجدت الأستاذ "مكرم" ينزل من الدور الثاني".. وصاح "تختخ" فجأة وكأنه جن: لقد وجدته..! وجدته!!
التفت إليه "وجيه" مندهشا وقال: ماذا وجدت؟
أخذ "تختخ" يقفز على الكرسي وهو يصيح: وجدته.. الحل.. الحل..
هز "وجيه" رأسه وقد خيل إليه أن "تختخ" قد جن.. وعاد يزيد من سرعته وهو يحلم بالمكافأة التي سيأخذها.
وأخذ "تختخ" يتحدث بصوت مرتفع: لم يكن عم "منصور" واهما.. لم يكن واهما.. ومرة أخرى بدت الشيفرولية الخضراء من بعيد تمضي مسرعة.. فأشار "تختخ" بيده قائلا: لقد دبرا سرقة بارعة.. بارعة جدا.. ولكنني وجدت الحل!!
مضت ساعة ونصف ساعة تقريبا.. وبدا "الرست هاوس" من بعيد وخفق قلب "تختخ" وهو يفكر.. أيجد المفتش "سامي" منتظرا.. أم أن "محب" لم يعثر عليه؟!
لم يطل تساؤله.. فقد كان سد من سيارات رجال الشرطة يسد الطريق.. وكانت الشيفرولية الخضراء واقفة وقد وقعت في الفخ.. ووقفت المرسيدس أيضا.. وكان المفتش "سامي" يتحدث إلى "حافظ" و"مجدي" وهما يشيران بأيديهما محتجين.. في حين كان الأستاذ "مكرم" يقف ساكنا.
دهش "تختخ" لوجود "مكرم" ولكنه أسرع إلى المفتش الذي قال له: ماذا وراءك؟! لقد جئت كطلب "محب" ولا أدري ماذا حدث.
ابتسم "تختخ" قائلا: أرجو أن تقبض على هذين الرجلين فهما اللذان سرقا الخزانة!
مكرم: غير ممكن.. لقد كانا في الإسكندرية.. وتحدثا معي تليفونيا!
تختخ: لقد تحدث واحد منهما فقط إليك من الإسكندرية أما الثاني فكان يتحدث من غرفة مكتبك في القصر.
مكرم: لا أفهم شيئا!
تختخ: سأشرح لكما كل شيء.
المفتش: تعالوا ندخل إحدى غرف "الرست هاوس" بعيدا عن الناس.
فدخل الجميع إلي غرفة منفردة وقال المفتش : والآن يا "توفيق" هات ما عندك.
قال تختخ : سأصور لكما ما حدث بالضبط..لقد قال الأستاذ "مكرم" أنه تذكر أنه نسي المفتاح علي مكتبه في المعرض بالإسكندرية..أليس كذلك؟
مكرم: حدث هذا فعلا.
تختخ: ثم غادرت الإسكندرية الساعة الرابعة إلي القاهرة فوصلت إلي المعادي حوالي السابعة.
مكرم: تماما.
تختخ: لقد عثر "حافظ" علي المفتاح..ونبتت في ذهنه خطة  سرقتك..وقد دبر خطة بارعة حقا.
مكرم: كيف؟
تختخ: أليس هو الذي اشتري لك ثياب المهرج؟
مكرم: فعلا.. وكيف عرفت؟
تختخ: لأنه اشتري لنفسه ثيابا مماثلة، وركب سيارة وانطلق بها خلفك إلي المعادي..إنكما في الحجم نفسه تقريبا وهكذا اشتري الثياب واتفق مع "مجدي" علي أن يطلبك في التاسعة تماما، ويخطرك أنه وجد المفتاح.. أما هو فقد لبس ثياب المهرج، ووقف في الظلام يرقبك وأنت أمام باب القصر تنتظر الضيوف.. كان يريد أي فرصة تذهب فيها أنت بعيدا ليحل محلك.. ورآك وأنت تصعد سلالم القصر إلي الدور الثاني لأخذ الدواء كعادتك، وهو يعرف هذا، ويعرف أنك سترتاح قليلا كما اعتدت.. انتهز الفرصة ودخل مسرعا ثم ذهب إلي غرفة المكتب.. وظن الجميع أنه أنت حتى "فتحي" لهذا ذهب فتحي خلفك إلي المكتب..ولم يجدك طبعا لأن حافظ عندما أحس بدخوله اختفي خلف أحد التماثيل.. فلما لم يجد "فتحي" أحدا في الغرفة خرج.. وأسرع "حافظ" إلي الخزانة ففتحها.. وأخذ ما فيها بسرعة وأغلقها.. وسكت "تختخ" لحظات وأخذ ينظر إلي المستمعين ليرى تأثير حديثه عليهم، فوجدهم جميعا منصتين.. وقد فتحوا عيونهم علي آخرها في دهشة، فمضى يقول في ثقة : ثم اتصل مجدي من الإسكندرية.. ورفع عم "منصور" سماعة التليفون في الصالة، ورفع "حافظ" سماعة التليفون في غرفة المكتب.. وقد قال عن "منصور" إنه خيل إليه أنه سمعها ترفع .. وكان ذلك صحيحا.. ولكنه ظن أنه واهم وبخاصة عندما رآك أمامه.. ولكن لم يكن واهما.. فقد رفع حافظ السماعة فعلا.. وعندما تحدثت أنت مع "مجدي" قال لك إن "حافظ" وجد المفتاح..وهنا تدخل "حافظ" في الحديث وقال لك إنه وجد المفتاح فعلا.. فتصورت طبعا أنهما معا يتحدثان من الإسكندرية.. وهكذا نفيا أي شبهات عنهما."
أ.د. سيد محمد قطب


ليست هناك تعليقات