السخرية من شكسبير: "المهرج" لمحمد الماغوط.. التساؤل والتشكيك في السائد وإعادة النظر في ما تكرس من أفكار ومواضعات في مجالات الفكر والسياسة والثقافة



كتب محمد الماغوط مسرحية "المهرج" في بداية السبعينات، أي عقب الحدث التاريخي الذي هز كيان الأمة العربية، وخلخل بنياتها الفكرية والسياسية والاجتماعية، ألا وهو هزيمة يونيو 1967.

لقد طبع هذا الحدث الكتابة المسرحية العربية بميزات خاصة، لعل أبرزها خلخلة مفهوم الكتابة في حد ذاته.

فأغلب المسرحيين اقتنعوا بأن العرب دخلوا زمنا جديدا: هو زمن التساؤل والتشكيك في السائد وإعادة النظر في ما تكرس من أفكار ومواضعات في مجالات الفكر والسياسة والثقافة.

وعليه، تحول النص المسرحي أيضا إلى مختبر لتجريب صيغ فنية جديدة تلائم طبيعة التحول الذي طبع المرحلة.
لقد اقتنع محمد الماغوط أن الأسلوب الملائم لمرحلة الاهتزاز السياسي والثقافي هو السخرية.

لهذا، كتب مسرحية "المهرج" بهذه الخلفية.
ومادام الأمر يتعلق بإحباط سياسي، أساسا، فإن هذه السخرية اكتست لديه طابعا سياسيا.

ولتصريف هذه السخرية السياسية مسرحيا، لجأ  الماغوط إلى كتابة نص محاكاتي ساخرTexte parodique، هو نص "المهرج" الذي أقامه على استراتيجية تناصية واعية بمنطلقاتها الجمالية وأبعادها الإيديولوجية في آن واحد.

لقد وجد الماغوط ضالته في استحضار نص شكسبيري شهير هو "عطيل"، حيث اشتغل عليه بفكر وقح Esprit Tendancieux - بعبارة فرويد - وحاول أن يعيد النظر في البناء والوظيفة معا.

ولتجسيد هذا الفكر، تم اللجوء إلى السخرية التي تعد "أساسية في اشتغال المحاكاة الساخرة والهجاء".

والملاحظ أن الماغوط ركز على المظهر اللغوي في تحقيق هذه السخرية، أي على ما يسميه برغسون Bergson ب "كوميك الكلمات"، ويسميه البعض بالتحريف الأسلوبي Distorsion Stylistique.

إن هذا المنزع المحاكاتي الساخر في مسرحية الماغوط يتخذ، في الواقع، وسيلة لهدم طرق محددة في التشخيص وصيغ معينة في المسرحة من أجل بناء أخرى.

ذلك أن ثنائية الهدم والبناء تدخل في صلب المواجهة التي تخلقها المحاكاة الساخرة بين نص سابق وآخر لاحق.


المواضيع الأكثر قراءة