مفهوم الصورة.. صياغة جمالية للإيقاع الفني الخفي الذي يحكم التجربة الإنسانية الشاملة عن طريق الصورة الذهنية و الصورة الرمزية والأسطورة

عالم الشعر، عالم جميل يموج بالحركة والألوان، لغته لا تعترف بالحدود والمنطق, يسعى الشاعر فيه وراء المطلق للتمسك به عبر تجربته الشعرية، متوسلا في ذلك الكلمة والرمز والإيقاع والصورة (إنه (الشعر) صياغة جمالية للإيقاع الفني الخفي الذي يحكم تجربتنا الإنسانية الشاملة، وهو بذلك ممارسة للرؤية في أعماقها، ابتغاء استحضار الغائب من خلال اللغة) (1).

وهو ليس كالنثر (الذي قوامه العقل و المنطق والوضوح... ويؤدي وظيفة إبلاغية مباشرة) (2)، إلا أن الشعر بخلاف ذلك (فهو يعتمد على الخيال أو الرؤية التي تحيد بدلالة اللغة الحقيقية عما وضعت لها أصلا لتشحنها بمعان جديدة وإيحاءات غير مألوفة)(3).

و يذكر "أدونيس" في كتابه (مقدمة للشعر العربي) أن الشعر (يأتي مفاجئا، غريبا عدو المنطق والحكمة والعقل ندخل معه إلى حرم الأسرار ويتحد بالأسطوري العجيب السحري)(4).

والشعر أو الشاعر، لا ينقل لنا الدلالات و المعاني بصورة رتيبة كما هي في الواقع، ولكنه يروم إلى اكتشاف كنه الأشياء بالشعور والحدس لا بالعقل والفكر. (لأن الفكر لا يجوز أن يدخل العالم الشعري إلا متقنعا غير سافر متلفعا بالمشاعر والتصورات والظلال ذائبا في وهج الحس و الانفعال... ليس له أن يلج هذا العالم ساكنا باردا مجردا) (5).
فالشاعر إذًا ليس كالعالم أو المفكر الذي يعبر بالكلمة العارية، إنه يعبر بالصورة و الإشارة و الرمز.

مفهوم الصورة:
إنَّ تحديد ماهية الصورة تحديدا دقيقا من الصعوبة بمكان، لأن الفنون بطبيعتها تكره القيود، ولعل هذا هو السر في تعدد مفاهيم (الصورة) وتباينها بين النقاد، بتعدد اتجاهاتهم ومنطلقاتهم الفكرية والفلسفية وبالتالي أضحى للصورة مفهومان:
- مفهوم قديم لا يتعدى حدود التشبيه و المجاز و الكناية.
- مفهوم جديد يضيف إلى الصورة البلاغية: الصورة الذهنية و الصورة الرمزية بالإضافة إلى الأسطورة لما لها من علاقة بالتصوير.

(1)  (2) (3) - إبراهيم رماني : الغموض في الشعر العربي – ديوان المطبوعات الجامعية – الجزائر د.ت. ص 85.
(4)- أدونيس: مقدمة للشعر العربي – دار العودة – بيروت 1971 ص 58.
(5)- سيد قطب: النقد الأدبي, أصوله و مناهجه – دار الشروق – بيروت -  ط5 1983 ص 58.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال