التأثيرات النفسية والتربوية للصورة.. أرسطو والتفكير مستحيل من دون صور. رولان بارت وحضارة الصورة

يقول ارسطو  (إن التفكير مستحيل من دون صور)، ومنها نستنتج أن أهمية الصورة كما جاء في المثل الصيني: (الصورة تساوي ألف كلمة) .ان الصورة ليست وليدة اليوم، إلا أن أهميتها ازدادت بشكل كبير في العصر الحديث، فالحياة المعاصرة لا يمكن تصورها من دون صور، وهذا ما أكده رأي الناقد الفرنسي (رولان بارت) حيث يقول: (إننا نعيش في حضارة الصورة).

وأهم أهداف الصورة  إنها ثقافة مفروضة علينا بإرادتنا معلنة، تقتحم بيوتنا وتبدل أفكارنا  وتعمل على اعتياد غسيل عقولنا بأنفسنا أو عنوة  وفعلت الاتصالات والإعلام العالمي دورهما  في الانتقال من منطقة العرض إلى منطقة الفرض.

لقد وضعت الصورة لكي تكون ثنائية التفاعل وهي اغلب حالات الاتصال وهذه حقيقة متمثلة بدائرة التغذية المرتدة التي ليس للمربي  سيطرة عليها فهي قابلة للتكرار.

ومن خلال هذه العملية يحدث نوع من الاهمية والتاثير ومن ثم التفاعل بالعين للعين بالمشاهدة والتكرار للصورة، ويمكن أن نطلق عليها تلميحات ملفوظة مرئية ومسموعة واحيانا تكون صورة مرئية لاملفوظة  يقول شكسبير (هناك لغة في عينها، في وجنتها  في شفاهها ليس هذا فحسب فتتكلم قدماها وبهجتها تطل منها ،وفي كل مفصل ومحرك من جسمها إن التغذية المرتدة مطلوبة من الاخرين المستمع المشاهد ويستخمها البرنامج الموجه للتاثير من خلال العرض و البث التلفازي).

وان ما يتصل  بهذا البث من التلميحات الرمزية والاشارات والتلميحات الطبيعية هي من ضمن الخصائص التي تنقل المعلومة . إن التلميحات الرمزية تؤثر بقوة اذا ما ارتبطت بالموضوع الوطني او البطولة والتضحية.

وهو التنميط الثقافي الذي يعني إنتاج نمط ثقافي واحد وفق إرادة المنتج المهيمن، ويكون ذلك عبر وسائل السيطرة المختلفة كالتقنية والمعلوماتية والاتصالات، ولا سيما استعمال الأقمار الصناعية.. ولا شك أن أخطر مظاهر التنميط وسيلة، هو شيوع ثقافة الصورة بديلاً عن ثقافة الكلمة، ولقد اصبحت الصورة لها تصميماً خاصاً، وصفة غامضة بين المغامرة والشهرة تصميماً مكانيا وزمانيا، فإن لسحر الصورة المبرمجة مكانتها ا المثيرة، والسحرية في نفوس الاخرين.

لذلك يتطلب الامر بضرورة تثقيف الشباب و الأخذ في عين الاعتبار المتغيّرات المؤثرة في سلوك الانسان مثل متغيّر الجنس، والمحيط العائلي والمنحدر البيئي في غياب تقاليد البرمجة والتنظيم للوقت الحرّ وان كان هنالك وعي بضرورة الترفيه وان للترفيه دوره وفاعليته ولكن التعامل مع الترفيه يخضع لمنطق المسئولية بين الرجل والمرأة داخل البيت الاسري وذلك بالرّغم مما تحقق من تحوّل في وضع المرأة العربية حيث أن أعباء الوقت المُلْزِم او الاجباري تتواصل داخل البيت أيضا ممّا يقلّص أوقات الترفيه ويجعلها تكاد تنحصر في مشاهدة التلفزيون .دون تبصر بما سيؤثر علينا وعلى اطفالنا.

 من هنا تقتضي فهم الحالة بكل جوانبها وأدواتها وأثرها علىالتربية وعلى نفسية المتلقي ذكرا او انثى في مجتمعاتنا العربية، كما وان لأسلوب الحياة وانفعالاتها تؤثر تأثيرا مستمرا في نمونا. خاصة وأن العالم بين يدي المتلقي في اللحظة بعينها التي يحدث فيها الحدث من خلال برامج البث المباشر كبديل عن النسيان والتهميش وكضرورة للاستمرار وتأكيد الموقع وسط حضارات بدأت تأكل بعضها ولا مكان للمتخلف عن الركب الهائل أمام المعلوماتية فيها.

ويتطلب فهما للأخر من المفكر المثقف، الذي هو ليس مشغولا بالسياسة، وهو ليس همه الكرسي الرئاسة ليكون ابن العصر الحاضر الذي يتعامل مع التقنيات الثقافية، وهو ما مطلوب اليوم لأن يتعلم  الكومبيوتر وتقنية الانترنيت، والكم  الهائل  من المعلومات الكترونيا، ويفهم أساليب التعامل في النشر على الشبكات الفضائية والمواقع الالكترونية الثقافية وغير الثقافية على الشبكة، ومتمرسا على استخدام التقنية  التي تخص الصورة وهي الأخرى واحدة من أهم عناصر التأثير المباشر في السمع والبصر لأن انهيار حدود الزمان والمكان بفضل  شبكات المعلوماتية ونشرها ونموها وسرعة النشر، جعلت الإنسان العربي في حيرة، والمربي المثقف مدهوشا في مغامرة  بالصوت والصورة وغير محددة الأبعاد والمعالم.إن هدف هذه الصورة وهذه التقنيات هي في خلق ثقافة جديدة ، توجه نمط المجتمع العالمي وتصقله بحسب المخطط وما تحتوي برامج  بثها.

في حاضرنا الآن تسعى صورة الأخر في إعادة تشكيل العالم العربي خصيصا، بشكل سريع وفعال، ولعل أبرز ملامحه متمثل في عروض ثقافة الصورة المرئية، والشبكات الفضائية في الكون، فيما يمكن أن نطلق عليه هو الهيمنة والاستيلاء ثم الاستعباد الثقافي للعالم العربي وإسباغ وتلوين العربي  بشكل الثقافة العالمية الالكترونية كحالة الجديدة، وتطرح بشكل أخاذ جميل ممتع أهم ما يميزها الصورة والحواس، وهو شكل جديد دخل عقول الشباب فانصرفوا عن القراءة المكتوبة والكتب الصفراء والحمراء والسوداء والزرقاء وما إليها  وفي ذلك محاسن ومساوىء ثورة الصورة المرئية المسموعة والتي  يتطلب التعامل مع هذه التغيير الكبير في التأثير من خلال الصورة  الصامتة المرئية والصورة الناطقة، في التعامل مع المعلومات، على أساس أنها ثقافة المستقبل الواسعة والتي لايمكن لرقيب إن يمنعها أو يحد منهالان آلياتها ليس بوسع سيطرة الحكومة أو الأفراد إنها عالمية المنشاء كشبكة الانترنت، أو الشبكة العنكبوتية التي اتاحت لأي مواطن بأن يمتلك المعلومات المحملة مهما كانت لغته لأنها هي تترجم لك بكل اللغات وتعطيك كل الثقافات المتعددة وحسب توجه الأقوى المالك لهذه التقنية والمتحكم بها  موجهة التأثير للثقافة الموجهة في هذه المساحة. وهذا التسارع الزمني يصاحبه انتشار مكاني، حيث أصبح فضاء الكرة الأرضية مغطى بشبكة كاملة من الفضائيات المتابعة لكل تفاصيل الحياة، ولم يعد هناك فضاء محظور، وما هو مغلق اليوم يصبح مفتوحا ومشاعا غدا، وثقافة الأمم باتت تواجه " اقتحام البرامج المعولمة بالصورة والصوت" .... وقد تنهار  اوتنسى كل القنوات التقليدية  الأخرى التي اما بسبب جهلها او تجاهلها للثورة العالمية لنقل الصورة والصوت من خلال القنوات  التي خلقت حالة  نوع من الظمأ الذي أخذت تروي تعطش المتلقي لتلك القنوات العالمية، وتحقنه بثقافة باتت تسري في عقله وكأنه الأفيون أمام ظاهرة التأثير في ثقافة الشعوب، وإعادة تشكيل وعيهم من خلال الصورة أيضا، وهي ظاهرة اكتسبت هويتها الواضحة في نهاية القرن العشرين، وابتدأت تشكل لها موقعا في خريطة العالم، وفي الوجدان الجمعي للبشر أينما كانوا.

وهذه السينما القائمة على عرض أفلام في كافة أنحاء العالم في ذات الوقت، وتحمل ذات الرسالة تعد بحق شكلا آخر من شكل التوجيه الثقافي، تسهم في بناء منظومة الوعي الكوني وثقافته، وتوجهه بحسب الرسالة التي رسمها مبدع تلك الأفلام، التي لا بد وان يتوافر فيها العديد من أسباب التأثير في الغزو الثقافي لعقولنا واعتدنا  إن نقلد ما لدى عدونا وما يبثه الينا: (إنما تبدأ الأمم بالهزيمة من داخلها عندما تشرع في تقليد عدوها (مقدمة ابن خلدون) ومعنى ذلك الغزو الثقافي(أن الغزو الثقافي بدأ باحتلال العقل وقد بدائنا بتقليد عدونا  فهو غزو من الداخلر وهو الضعف الذاتي الداخلي، وهو الأخطر وهو بوابة التخريب الموجه).

ويستهدف هذا الترويض  دوام الهيمنة على الإدارة والإمكانات القومية والبرامج البناءة للوطن العربي وهدمها .. لقد تطور الاستعمار كثيراً، من شكله القديم العسكري المباشر، إلى شكله الجديد الذي لا يحتاج إلى الأسلحة التقليدية، لأنه مزود بسلاحه الفتاك الداخلي، أعني به التنميط الثقافي من خلال آلية صناعة العقل الغزو الثقافي فيهدف إلى احتلال العقل؛ فهو أخطر من الغزو العسكري، بينما ييسّر الغزو الثقافي آليات الإخضاع الداخلي، مما يبدو وكأنه تعمية للحال، أو تجميل له، فيُقبل الإخضاع على أنه شيء آخر غير الإخضاع، لالتباسه بمفاهيم كثيرة تتصل بعمليات التكوين الذاتي، كالنمو والاستقلالية والأصالة والصلابة والسلطة والمناعة والوعي.. الخ.  اننا في ظل الفضائيات  في مواجهة ارتبطت الصورة بحياة الإنسان بشكل لم يسبق له مثيل، تربية قائمة على الإثارة من جانبين، اثارة التسلية، وإثارة العنف ، ثقافة مبنية على عالم المغامرة والمخاطرة والإثارة، بدل التفكير والتدبر والتميز المعرفي.

إن الصورة في الفضائيات تتخذ التسلية والمرح رسالة لها كهدف ظاهر وباطنة السم العذاف، اما الأخبار فتعتمد أيضا على الإثارة والعنف, التوجيه في القنوات الفضائية، من قبل الدول الكبرى كأمريكا ولأنها الموجهة للسوق، وللإعلام الذي يوافق مصالحها ، كونها تتحكم في أوسع شبكات الإعلام العالمية،.. إن لغة وشكل الصورة يحتوي على جانبين متعارضين ومتكاملين، هما الجانب الدلالي والجانب الجمالي أي ما يتضمنه الخطاب دون قوله بشكل مباشر بل هو منغرس في ثنايا الخطاب ورموزه الموحية ومن هنا فإن احتلال الصورة مكانة في التواصل البشري أهم من الكلمة كان أحد نتائج تقدم الاتصال عن طريق الفضاء واحتلال الأقمار وقد كان واضحا جليا خلال ما لمسناه في حروبها أنها استخدمت قبضة الأعلام لتبرير حروبها وسيطرتها وبشاعتها من خلال التركيز على جوانب ثقافتها الداعية للحرية والديمقراطية، وتصدير النموذج الأمريكي الحر إلى كل دول العالم.

  في وقتنا الحالي لعبت الصورة بأشكالها المختلفة التلفزيون والسينما والانترنت وفنون الإعلان والإعلام دوراً أساسياً في تشكيل وعي الإنسان المعاصر بأشكال ايجابية حينا وأشكال سلبية حيناً آخر، فهناك حضور جارف للصور في حياة الإنسان الحديث، إنها حاضرة في التربية والتعليم، وفي الأسواق والشوارع، وعبر وسائل الإعلام، وفي قاعات العرض للأعمال السينمائية والمسرحية والتشكيلية، وفي بطاقات الهوية، وأجهزة الكمبيوتر وعبر شبكات الانترنت والفضائيات والتلفزيونات المحمولة، وفي ملاعب كرة القدم والتنس والمصارعة، وفي العروض الفنية.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال