في تحليل الخطاب السردي.. نبذ جماليات الرواية وتقنياتها الفنية وتعويضها بالمكونات السردية. النقد البنيوي الشكلي والنقد البنيوي التكويني



عندما ظهر الاهتمام بالرواية عندنا في منتصف القرن العشرين، استقبل نقادنا (العناصر الفنية) للرواية على أنها أحدث ما وصل إليه الفن الروائي الغربي، بعد أن كانت الرواية متعالقة مع التاريخ، أو متشبثة بأهداب الكلاسية، أو مطبوعة بصبغة الميوعة العاطفية الرومانسية.

وتتجلّى هذه (العناصر الفنية) في: الحدث، والحبكة، والحوار، والوصف، والعقدة، والحلّ، والشخصيات، والأسلوب...الخ بعد أن أشاعها النقاد الغربيون أمثال: إدوين موير في كتابه (بناء الرواية)، وبيرسي لوبوك في كتابه (صنعة الرواية) وغيرهما.

واستقبلها نقاد نهضتنا بدءاً بمحمد يوسف نجم، ومروراً بأحمد الشايب، وأحمد أمين، وانتهاءً بعباس محمود العقاد، ومحمد غنيمي هلال، ومحمد مندور..

لكن الحركة الثانية في الحداثة الروائية جاءت مع فرسان (الرواية الجديدة) (أو اللارواية أو ضد الرواية): آلان روب غرييه، وميشيل بوتور، وناتالي ساروت الذين دمروا (العناصر الفنية) المتعارف عليها، حين كتبوا روايات دون شخصيات، ودون أحداث، ودون تسمية الشخصيات... وأحلّوا (الأشياء) محل الأشخاص.

ثم جاءت الحركة الثالثة في الحداثة الروائية مع البنيوية التي نبذت (جماليات) الرواية، أو (تقنياتها الفنية)، واستعاضت عنها (بالمكوّنات السردية) التي تتمثل في (الوظائف، والفواعل، ووجهة النظر (أو التبئير)، وبنية الزمان، وفضاء المكان...الخ).

وقد استقبل نقدنا المعاصر في الربع الأخير من القرن العشرين هذه التقنيات الحداثية في النقد الروائي، فتمثّلها، ودرس على غرارها، حتى لقد عدّ الناقد الذي لا يأخذ بها متخلفاً.

وقد قمنا بمسح شامل للنقد الروائي العربي المعاصر في الربع الأخير من القرن العشرين، فوجدناه لا يخرج في منهجيته الحداثية عن منهجين هما: النقد البنيوي الشكلي، والنقد البنيوي التكويني. فصنّفنا هذه "النقود" حسب هذين المنهجين.

وكان اهتمامنا منصباً على منهجية كل ناقد أو دارس، وعلى مدى تمثّله للنقد الحداثي بعامة، وللمنهج البنيوي بفرعيه بخاصة.

وهل فهم هؤلاء النقاد هذه المناهج النقدية الحداثية كما هي في بلدانها الأم؟
أم أنهم "اجتهدوا" من أجل أن يتفوقوا على أساتذتهم الغربيين؟
وهل هذا "الاجتهاد" خصوصية؟ أم هو عجز وقصور عن متابعة مستجدات هذه المناهج التي تُبنى في بلدانها يوماً بعد يوم؟

وقد وقفنا أمام اختيار منهجنا في هذا الكتاب الذي يعالج هذه المنهجيات، فانتهينا إلى أحد أمرين: إما أن نصنّف كتابنا هذا على أساس مكوّنات السرد الروائي؛ من صيغة، ومنظور، وفضاء، وشخصية... الخ فنضع تحت كل مكوّن من هذه المكونات الروائية كل ما قاله النقاد الغربيون والعرب، أو أن ندرس كل ناقد على حدة، فنعرض أعماله في نقد السرد، ونناقشها ضمن العرض.

وقد اخترنا الطريقة الثانية باعتبارها الأكثر جدوى، لأن القارئ يستطيع أن يخرج منها بخلاصة لمنهج الناقد وممارسته النقد الروائي.
وقد درسنا طلائع التحديث النقدي في الحقل السردي مع موريس أبو ناضر الذي وضع كتابه (الألسنية والنقد الأدبي) الذي حاول فيه أن يجمع بين اتجاهات البنيوية الشكلية كلها في السرد، وأن يجمع بين النظرية والتطبيق، من أكثر من منظّر غربي، فأخذ عن بارت، وغريماس، وبروب، وشتراوس، وغيرهم... فكان رائداً في هذا المنهج. وتتبعنا التسلسل التاريخي في ترتيب العرض، فبدأنا بموريس أبو ناضر الذي أصدر كتابه عام 1979.

يليه يوسف نور عوض في كتابه (الطيب صالح في منظور النقد البنيوي) الذي أصدره عام 1983، تليه سيزا قاسم التي أصدرت كتابها (بناء الرواية) عام 1984، فسعيد يقطين الذي أصدر كتابه النقدي الأول (القراءة والتجربة) عام 1985. وقد أغنى هذا الناقد المكتبة النقدية العربية بخمسة كتب في السرد الروائي.

فحسن بحراوي في كتابه (بنية الشكل الروائي) الذي أصدره عام 1990 فكان خلاصة الدراسات الغربية والعربية التي سبقته، مطبقة على الرواية المغربية. يليه عبد الله إبراهيم الذي أصدر كتابه (السردية العربية) عام 1992 فعبد الرحيم الكردي الذي صدر كتابه (السرد في الرواية المعاصرة) عام 1992.