الزمن كالمال كلاهما يجبُ الحرص عليه والاقتصادُ في إنفاقه وتدبير أمره، وإنْ كان المالُ يمكن جمعه وادخاره بل وتنميته فإنَّ الزمنَ عكسُ ذلك؟ .
فكلُّ دقيقة ولحظة ذهبت لن تعودَ إليك أبدا ،ولو أنفقت أموال الدنيا أجمع.
وإذا كان الزمنُ مقدرا بأجلٍ معينٍ وعمرٍ محددٍ لا يمكن أن يقدَّمَ أو يؤخرَ، وكانت قيمته في حسنِ إنفاقه- وجبَ على كلِّ إنسانٍ أن يحافظَ عليه ويستعملَه أحسن استعمالٍ ولا يفرِّطُ في شيء منه قلَّ أو كثُرَ.
ولكي يحافظ الإنسانُ على وقته يجب أن يعرفَ أين يصرفه؟! وكيف يصرفه؟! وأعظمُ المصارف وأجلُّها طاعة الله - عز وجل -، فكلُّ زمنٍ أنفقته في تلك الطاعةِ لن تندمَ عليه أبدا.
و عَنْ سَيْفٍ الْيَمَانِيِّ قالَ: " إِنَّ مِنْ عَلَامَةِ إِعْرَاضِ اللَّهِ عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَشْغَلَهُ بِمَا لَا يَنْفَعُهُ "
و قَالَ أَبُو حَازِمٍ : " إِنَّ بِضَاعَةَ الْآخِرَةِ كَاسِدَةٌ ، فَاسْتَكْثِرُوا مِنْهَا فِي أَوَانِ كَسَادِهَا ، فَإِنَّهُ لَوْ قَدْ جَاءَ يَوْمُ نَفَاقِهَا لَمْ تَصِلْ مِنْهَا لَا إِلَى قَلِيلٍ وَلَا إِلَى كَثِيرٍ " (الحلية ) .
ومتى حيل بين الإنسان والعمل، لم يبق له إلا الحسرة والأسف عليه ويتمنى الرجوع إلى حال يتمكن فيها من العمل فلا تنفعه. وينبغي للمؤمن أن يتخذ من مرور الليالي والأيام عبرة لنفسه، الليل والنهار يبليان كل جديد، ويقربان كل بعيد، ويطويان الأعمار، ويشيبان الصغار، ويفنيان الكبار.
ولقد أحسن الذي يقول:
إذا ما خَلَوْتَ الدَّهْرَ يوماً فلا تَقُلْ ... خَلَوْتُ، ولكنْ قُلْ عليَّ رَقِيبُ
ولا تَحْسَبَنَّ الله يَغْفُلُ ساعَةً ........ ولا أَنَّ ما يَخْفَى عليه يَغِيبُ
ألم تر أنَّ اليوم أسرع ذاهبٍ ......... وأنَّ غداً للناظرين قريبُ؟
و عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْعَابِدُ ، قَالَ : قَالَ فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ لِرَجُلٍ : كَمْ أَتَتْ عَلَيْكَ , قَالَ : سِتُّونَ سَنَةً , قَالَ : فَأَنْتَ مُنْذُ سِتِّينَ سَنَةً تَسِيرُ إِلَى رَبِّكَ تُوشِكُ أَنْ تَبْلُغَ , فَقَالَ الرَّجُلُ : يَا أَبَا عَلِيٍّ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ , قَالَ لَهُ الْفُضَيْلُ : تَعْلَمُ مَا تَقُولُ , قَالَ الرَّجُلُ : قُلْتُ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ . قَالَ الْفُضَيْلُ تَعْلَمُ مَا تَفْسِيرُهُ ؟ قَالَ الرَّجُلُ : فَسِّرْهُ لَنَا يَا أَبَا عَلِيٍّ , قَالَ : قَوْلُكَ إِنَّا لِلَّهُ ، تَقُولُ : أَنَا لِلَّهِ عَبْدٌ ، وَأَنَا إِلَى اللَّهِ رَاجِعٌ , فَمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ رَاجِعٌ , فَلْيَعْلَمْ بِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ , وَمَنْ عَلِمَ بِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ فَلْيَعْلَمْ بِأَنَّهُ مَسْئُولٌ وَمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَسْئُولٌ فَلْيُعِدَّ للسُّؤَالَ جَوَابًا , فَقَالَ الرَّجُلُ : فَمَا الْحِيلَةُ قَالَ : يَسِيرَةٌ , قَالَ : مَا هِيَ قَالَ : تُحْسِنُ فِيمَا بَقِيَ يُغْفَرُ لَكَ مَا مَضَى وَمَا بَقِيَ , فَإِنَّكَ إِنْ أَسَأْتَ فِيمَا بَقِيَ أُخِذْتَ بِمَا مَضَى وَمَا بَقِيَ " .(الحلية )
وعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ لِجُلَسَائِهِ : " يَا مَعْشَرَ الشُّيُوخِ : مَا يُنْتَظَرُ بِالزَّرْعِ إِذَا بَلَغَ ؟ قَالُوا : الْحَصَادُ ، قَالَ : يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ : إِنَّ الزَّرْعَ قَدْ تُدْرِكُهُ الْعَاهَةُ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ " (الزهد للبيهقي)
إن وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة، وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم، ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم، وهو يمر مر السحاب، فما كان من وقته لله وبالله فهو حياته وعمره، وغير ذلك ليس محسوبا من حياته وإلا عاش فيه عيش البهائم، فإذا قطع وقته في الغفلة والسهو والأماني الباطلة، وكان خير ما قطعه به النوم والبطالة، فموت هذا خير له من حياته.
وعن الضَّحَاكَ قَالَ : سَمِعْتُ بِلَالَ بْنَ سَعْدٍ يَقُولُ : " عِبَادَ الرَّحْمَنِ يُقَالُ لِأَحَدِنَا : تُحِبُّ أَنْ تَمُوتَ ؟ فَيَقُولُ : لَا ، فَيُقَالُ : لِمَ ؟ فَيَقُولُ : حَتَّى أَعْمَلَ ، فَيُقَالُ لَهُ : اعْمَلْ ، فَيَقُولُ : سَوْفَ ، فَلَا يُحِبُّ أَنْ يَمُوتَ وَلَا يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ , وَأَحَبُّ شَيْءٍ إِلَيْهِ أَنْ يُؤَخِّرَ عَمَلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا يُحِبُّ أَنْ يُؤَخَّرَ عَنْهُ عَرَضُ دُنْيَاهُ " (الزهد للبيهقي).
التسميات
وقت