أطفال في مرمى النسيان.. تشرد وانحراف وإيذاء للآخرين من أفراد المجتمع

كانت الساعة تقارب السابعة وخمس وثلاثين دقيقة عندما خرجت من مقر عملي متوجهة نحو بيتنا إذ صادفت زميلتي الموظفة في الجريدة الزميلة لجريدتنا على باب الوزارة تنتظر أحد الزملاء ليقلها بالسيارة إلى بيتها لكونها تشكو من وعكة صحية ألقيت عليها التحية... ردت علي وأردفت تسألني إن كنت ذاهبة إلى ميدان المواصلات ,أجبت  بالإيجاب دون تردد وأنا أطمع مرافقتها لتؤنسني في طريقي ,فاختارت الذهاب معي مشياً بدل انتظار ذاك الزميل الذي تحجج بأنه مشغول... وكعادة الجنس اللطيف بدأنا بالثرثرة وتجاذب أطراف الحديث ونطوي المسافة دون أن نشعر ولم نفكر إذا كان ما نتناوله بالحديث مهما كان  أم تافهاً ... حتى وصلنا إلى ذاك الشارع القديم الذي يحمل في طياته تاريخاً تليداً.. ذاك الشارع الذي لو جلسنا نستمع إليه لروي لنا ألف حكاية وحكاية ولأسرد لنا قصصاً مليئة بالعبر والحكم ... إنه الشارع الذي يتوسط مسجد حمودي وسوق الخضر.. كان الشارع كعادته يعج بالمارة وبائعي الفواكه والخضروات و الأحذية والملابس الرجالية والبائعين المتنقلين (الجوالة) يعرضون ذهاباً وإياباً بضاعتهم على المارة وكلما سنحت لهم الفرصة أم لم تسمح.. ونحن لا زلنا في غمرة الحديث مستمتعين بالجو بعد هدوء الحرارة الثائرة طول النهار.. إذ كانت المفاجئة... لم تتوقع واحدة منا ما حدث... بسرعة البرق خطف طفل صغير من زميلتي محمولاً بــ 000ر50 وشنطة صغيرة تحمل فيها مبلغاً من المال، لا أدري هل ما حدث لذلك الصغير لحسن حظه أم لسوءه... لم تحمله رجلاه الصغيرتان بعيداً حيث وقع على الأرض بعد عدة خطوات من جري عنيف وكأنه دراجة نارية فقدت الفرامل واصطدمت بالرصيف أو سيارة سباق انقلبت بعد الانطلاق ... فلتت الشنطة والمحمول من يده فانكسر.. لحقت به زميلتي وهو لا يزال يحاول النهوض... كل شيء تم بسرعة... لم تستطع إدراك كيف حدث ما حدث؟! ولم نصدق أن من ارتكب جريمة السرقة بكل هذه الجرأة (عيني عينك) هو طفل صغير ... لم يسبق أن سمعنا أو صادفنا مثل هذه الحادثة وتجمع الناس حوله ومن بينهم سيدة اتهمته بسرقة فواكهها... لم تردد في صفعه عدة مرات بينما مسكته زميلتي من أذنه بيد وقميصه بالأخرى وهي توبخه على جريمته وتهدده بتأديبه... في حين انشغلت بجمع الشنطة والمحمول، وشاء القدر أن تتزامن الحادثة مع خروج أحد رجال الشرطة من صلاة العشاء في المسجد... ما إن رأته زميلتي رجل الشرطة متوجهاً نحونا حتى طلبت منه والغضب يتطاير من عينيها أن يمسك بالصغير ويسجنه عقاباً لما فعل وتأديباً له.. وعلى طول الطريق وحتى وصولنا إلى ميدان منيليك حيث توجد سيارات الشرطة لتقلنا إلى المركز تنفيذاً للإجراءات القانونية والناس تسأل عم فعله ذاك الصغير ..والرد دائماً إنه سارق والصغير لا يزال يردد كلمات طلب المساح والعفو وزميلتي تنهره ومن ناحية تقول لو خليت سبيله سيكرر ما فعله مع غيري ونحن على هذه الحالة تجرأ أحد الرجال الموجودين على الشارع بعد أن عرف ما ارتكبه الصغير في ضربه وركله وتلقائياً وقفنا أنا وزميلتي والشرطي في وجه ذلك الرجل البائس وحذرناه من مد يده على الصغير مرة أخرى... وسارت بنا السيارة والألم يعتصر قلبينا من حالة ذاك الصغير الذي استسلم للواقع المرير...هذا الصغير لم تنبته الأرض بل أتى به الى هذه الدنيا أبوان  راشدان بطبيعة الحال أين هى مسؤوليتهم تجاهه ؟ ماذا سيكون موقفنا لو كان هذا الولد ابني أو ابنك أو أحد أقرباءك.. من المسئول عما تعرض وسيتعرض له من إهانات والقسوة والضياع...؟ هل هو مسئول عن نفسه و هو بهذا العمر؟! كيف سيكون مستقبله إذا لم نلحقه؟ ألسنا مسئولين عن هذا الصغير وأمثاله نحن كمجتمع يعيشون في وسطه... وصلنا إلى المركز ولا زالت التساؤلات تتزاحم في ذهني.. واستقبلنا المسئولون وسجلوا القضية واحتجزوا الصغير ولكن خلال إجابته على أسئلة الشرطة اكتشفنا أنه ليس بوعيه وهذه مصيبة أكبر من الأولى.. لأن تناوله لمواد مخدرة بهذا العمر تعني نهايته.. والواقع أن الشرطة ستخلي سبيله بعد عدة أيام من احتجازه، والسؤال ماذا سيكون مصير هذا الصغير وأمثاله المتشردين الذين تجاوزوا مرحلة التسول الذي نعرفه إلى احتراف السرقة وهذا أمر لم نألفه في جيبوتي، أليست هذه إشارة إنذار لخطر اجتماعي وأخلاقي قادم؟ أليست مشكلة أطفال الشوارع بإمكانها تهديد أمن البلد؟ ماذا يمكن أن يصبح ذاك الصغير عند بلوغه سن الرشد إذا لم نجد لهم حلاً؟ وهل ينفع تهجيرهم إلى بلدهم وهم يرون أنياب الحرب والفقر الذي هربوا منه بحثاً عن النجاة والأمن؟ أليسوا قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أي لحظة؟.. ومهما كان الأمرالموضوع مطروح للنقاش وإيجاد الحلول.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال