بعد أن تصاعدت حدة لغة الخطاب بين القادة الإسرائيليين والسوريين وارتفعت وتيرتها إلى درجةٍ جعلت الكثير من المراقبين يعتبرونها الأعنف منذ انتهاء حرب تشرين وأنها أصبحت شبيهة بخطاب حافة الهاوية، فقد بادرت الحكومة المصرية إلى فتح قنوات الإتصال مع الحكومة السورية من أوسع أبوابها، وذلك من خلال قيامها بترتيب زيارة مستعجلة للرئيس السوري بشار الأسد إلى الديار المصرية.
بعض الصحف فضلت تسمية هذا الحراك السياسي المصري ببادرة تقارب مع إيران وتنسيق مع سورية في وجه التهديدات الإسرائيلية التي تراوحت بين التصريح بنيتها إزاحة الرئيس الأسد وعائلته عن الحكم إلى تدميرسورية وإعادتها إلى العصر الحجري إذا ما قام حزب الله باستهداف المدن والبنية التحتية الإسرائيلية بصواريخ سكود (د) القادرة على الوصول إلى مفاعل ديمونة لأن سورية من وجهة نظرهم هي من زوده بها وعليه فقد قرروا تصنيف حزب الله على أنه فرقة تابعة للجيش السوري.
نتمنى أن تكون الحكومة المصرية قد بدأت بالتحرك تنفيذاً واحتراماً لمعاهدة الدفاع المشترك بين شركاء الدم والسلاح في حرب أكتوبر التي كان النصر فيها ثمرة عربية نادرة وعزيزة بعد سلسلة الهزائم المذلة التي أطاحت بارادة الأمة ووضعت حكومات المنطقة وشعوبها في حالة من الخزي والعار، نتيجة لحرب الأيام الستة التي أودت بكامل فلسطين وألحقت بها أراضي سيناء والجولان.
هذا التمني الذي دأبنا على وضع رؤوسنا في رماله طوال القرن الماضي لم يفلح في صناعة الكرامة ولا حماية الأرض ولا تحقيق العدالة التي طالما تسولناها وتوسلنا بها لهذا العالم الذي يزدري الضعفاء ولا يحترم إلا الأقوياء.
بلغة العقل وبعيداً عن العاطفة نستطيع أن ندرك أن حراك الحكومة المصرية ونشاطها المفاجئ لم يكن مشفوعاً بالأسباب التي ذكرناها أعلاه، عندما تمنينا أن تكون قد انبعثت في عروق قياداتها لتدفعهم للوقوف مع أخوانهم في خنادق ما كان يعرف ذات يوم بالجبهة الشمالية.
مجموعة من الأسباب تدفعنا للإعتقاد بأن حراك الحكومة المصرية إنما يصب في نفس المجرى الذي صبت به التهديدات الإسرائيلية لسورية،وأن ما سيقال للرئيس الأسد في القاهرة أو شرم الشيخ سيحمل نفس المعنى الذي حملته تلك التهديدات ولكن هذه المرة بلغة أكثر تهذيباً،ويتم تقديمها من الأخ الناصح الأمين والغيور على مصالح شقيقه الذي لا يريد له أن يتخذ قراراً يرى أنه يعني الإنتحار إذا لم يتحلل من تحالفه مع إيران وحزب الله وحماس،وربما يتم التطرق إلى الدروس والعبر التي يجب أن تستخلص من المصير الذي انتهى إليه الرئيس صدام حسين عندما تحدى إسرائيل وأمريكا.
لا نعتقد أن الحكومة المصرية ستمد لسورية يد العون العسكري أو المؤازرة السياسية والمعنوية للأسباب التالية:-
إن الحكومة المصرية لن تنصح سورية بتبني سياسة مناقضة لسياستها التي انتهجتها منذ توقيعها على معاهدة كامب ديفيد،وتمثلت بالإلتزام المطلق بالتعايش والتطبيع مع إسرائيل والإمتناع عن القيام بأي عمل يصنف على أنه عدائي لإسرائيل بما في ذلك التعاون أو التحالف أو الدفاع عن أي من القوى أو الدول التي تقاوم احتلالها أو تتبنى خطاً سياسياً معادياً لها.
قيام الحكومة المصرية بتطوير موقفها من حالة الإمتناع عن القيام بأيٍ من تلك الأنشطة السالفة الذكر إلى حالة المشاركة المباشرة في محاربتها ومحاصرتها واعتقال أفرادها كما هو الحل في موقفها من حماس في قطاع غزة قبل الهجمة الإسرائيلية المسماة بالرصاص المصبوب وضلوعها بعملية مرادفة تستحق أن تسمى عملية الغذاء والدواء الممنوع وهي المستمرة حتى الآن. إن حالة الإحتقان التي يعيشها الشارع المصري نتيجة لفساد السلطة واستبدادها ونهبها لمقدراته وبوادر الغليان التي تتمثل اليوم باعتصام عماله الفقراء أمام البرلمان وتهديدهم باقتحامه وهم يطالبون بأجورهم، إذا ما أضيف كل ذلك إلى استخفافها المتواصل به وإهانتها لمشاعره من خلال سكوتها على الجرائم الإسرائيلية بحق القدس الشريف والأقصى المبارك، وتحالفها الصريح مع إسرائيل،كل ذلك يدفع بهذه الحكومة إلى محاولة نزع فتيل الأزمة وإخراج سورية من المعادلة الصعبة لأن تدميرها من قبل إسرائيل لا قدر الله وهذا أمر فيه تهويل ومبالغة كبيرة، سيؤدي إلى إعطاء الصعقة التي ستشعل الأرض تحت أقدام هذا النظام وتؤدي إلى زواله.
وينطبق نفس المنطق على تداعيات قيام سورية وحزب الله وإيران بدحر إسرائيل واستعادة الجولان وما يترتب عليه من تلقي الشعوب لشحنات معنوية تؤدي إلى إسقاط حاجز الخوف من الأنظمة مما قد يدفعها إلى أن تحذو حذو الشعب القرغيزي أو لربما تكون أكثر قسوة من كل ما سبقها من الثورات.
إن الحكومة المصرية قد أصبحت رهينة للدول الغربية وشركاتها وأصبح صمام الأمان لبقائها بيد هذه الدول وبالذات إسرائيل التي تستطيع دفع أوروبا وأمريكا لإثارة المتاعب في وجهها أمام العالم على صعيد حقوق الإنسان والإستبداد السياسي إضافة إلى وقف المعونات الت يتصرف على الأجهزة الأمنية التي تتكفل بحمايته إن هي فكرت بالوقوف إلى جنب سورية وقوى المقاومة.
لكل ما سبق، يؤسفني القول بأن الدعوة المصرية للرئيس السوري لن تكون إلا لتعريض القيادة السورية للمزيد من الهزات النفسية العنيفة بقصد التأثير على معنوياتها لإزاحتها مؤقتاً من وجه الجيش الإسرائيلي الذي قرر على ما يبدو أن يبدأ بتنفيذ وعوده المتكررة بإزالة الخطر الجنوبي المتمثل بحماس والخطر الشمالي الأكثر تجهيزاً والمتمثل بحزب الله.
نرجو أن تصمد القيادة السورية أمام هذه الحرب النفسية الشرسة وأن تكون على يقين بأن القوة مع الجماعة وأن إسرائيل تسعى بكل جهدها لشق صفوفها، علها تتمكن من الإنقضاض عليها فرادى لأنها تعلم جيداً أن قيامها بمجابهة الجميع في حربٍ شاملة، ينطوي على مخاطرة قد تكون فعلاً بداية الطريق إلى نهايتها.
زياد علان العينبوسي نيويورك
التسميات
شرق أوسط