الصفة الوصفية العاملة عمل الفعل (الوصف المبتدأ): ظاهرة الابتداء بالوصف، ومتطلبات الاكتفاء بمرفوعه عن الخبر في سياقاته المتنوعة

الصفة الوصفية المرفوعة بالابتداء: حالاتها وشروطها

في اللغة العربية، يمكن أن يأتي الوصف (مثل اسم الفاعل أو اسم المفعول أو الصفة المشبهة) مرفوعًا بالابتداء، دون أن يحتاج إلى خبر، بشرط أن تتوافر شروط معينة. في هذه الحالة، يكتفي الوصف بالفاعل أو نائب الفاعل الذي يليه، بحيث يسدّ هذا المرفوع مسد الخبر. هذه الظاهرة النحوية تبرز مرونة اللغة العربية في التراكيب الجملية.


شروط عمل الوصف مبتدأً والاكتفاء بفاعله:

لِكي يُرفع الوصفُ بالابتداء ويُكتفى بمرفوعه عن الخبر، لا بدّ من توفّر شرطين أساسيين:

  • عدم مطابقة الوصف لموصوفه في التثنية أو الجمع: يجب أن يختلف الوصف عن الاسم الذي يصفه من حيث العدد (إفراد، تثنية، جمع).
  • سبقه بنفي أو استفهام: يجب أن يتقدم الوصف أداة نفي أو استفهام.

عندما تتحقق هذه الشروط، يصبح الوصف بمنزلة الفعل، أي يعمل عمل الفعل، ولذلك فإنه لا يُثنى ولا يُجمع ولا يُوصف ولا يُصغّر ولا يُعرّف. يبقى بصيغة الإفراد، بينما يُرفع الاسم الذي يليه (فاعله أو نائب فاعله) ويسدّ مسدّ الخبر.

أمثلة:

  • "ما ناجحٌ الكسولان" (ناجح: وصف مفرد، الكسولان: فاعل مثنى وقد أغنى عن الخبر).
  • "هل محبوبٌ المجتهدون" (محبوب: وصف مفرد، المجتهدون: نائب فاعل جمع وقد أغنى عن الخبر).

من الجدير بالذكر أن بعض النحاة، مثل الأخفش والكوفيين، لم يشترطوا هذا الشرط، فأجازوا قول: "ما ناجحٌ ولداكَ" و"ممدوحٌ أبناؤكَ" حتى لو كان الوصف مطابقًا في العدد.


أنواع الوصف والنفي والاستفهام:

لا يقتصر هذا الاستعمال على نوع محدد من الوصف، ولا على أداة نفي أو استفهام بعينها:

  • الوصف المشتق أو الاسم الجامد الذي يحمل معنى الصفة:
  1. مشتق: "ما ناجحٌ الكسولان"، "هل محبوبٌ المجتهدون".
  2. اسم جامد بمعنى الصفة: "هل صَخْرٌ هذانِ المُعاندان؟" (أي: هل قاسيٌ هذان)، "ما وحشيٌّ أخلاقُكَ" (أي: ما متوحشةٌ أخلاقك).


  • أداة النفي أو الاستفهام (حرف أو غيره):

  1. بالحرف: كما في الأمثلة السابقة ("ما"، "هل").
  1. بغير الحرف (مثل الأفعال والحروف الناسخة):
    • "ليسَ كسولٌ ولداكِ": في هذه الحالة، يكون الوصف ("كسول") اسمًا لـ"ليس"، و"ولداكِ" مرفوعًا به وسادًّا مسدّ خبر "ليس".
    • "غيرُ كسولٍ أبناؤكَ": هنا، ينتقل الابتداء إلى "غيرُ"، ويُجرّ الوصف ("كسولٍ") بالإضافة إليها، ويكون ما بعد الوصف ("أبناؤك") مرفوعًا به سادًّا مسدّ الخبر.
    • "كيف سائرٌ أخواكَ": "كيف" هنا أداة استفهام تحمل معنى الحال أو الصفة.
  • النفي المعنوي:
    • قد يكون النفي موجودًا في المعنى لا في اللفظ، كما في أسلوب الحصر بـ "إنما".
    • مثال: "إنما مجتهدٌ ولداكَ". التقدير هنا هو: "ما مجتهدٌ إلا ولداكَ"، حيث يفيد الحصر معنى النفي والإثبات.

حالات لا يجوز فيها هذا الاستعمال:

إذا لم يأتِ الوصف بعد نفي أو استفهام، فلا يجوز فيه هذا الاستعمال (الاكتفاء بالفاعل عن الخبر). في هذه الحالة، يجب أن يُطابق الوصف ما يصفه في العدد (التثنية أو الجمع)، ويكون خبرًا مقدمًا لما بعده.

  • مثال خاطئ: "مجتهد غلاماكَ" (لعدم وجود نفي أو استفهام).
  • الصحيح: "مجتهدانِ غلاماك" (هنا الوصف "مجتهدان" يطابق "غلاماك" في التثنية، وهو خبر مقدم).

وقد ورد هذا الاستعمال على ضعف في بعض الأشعار القديمة، مما يدل على ندرته وقوته كشاهد لغوي.

  • مثال من الشعر:
    • "خَبِيرٌ بَنُو لِهْبٍ، فَلا تَكُ مُلْغِياً -- مَقالةَ لِهْبيٍّ، إِذا الطَّيْرُ مَرَّتِ"
    • (هنا "خبير" وصف مفرد، "بنو لهب" جمع، وقد جاء الوصف مبتدأ واكتفى بفاعله دون أن يسبقه نفي أو استفهام، وهو ما يُعدّ ضعيفًا من الناحية النحوية القياسية).

نوع المرفوع بعد الصفة التي تقع مبتدأ:

الصفة التي تقع مبتدأ وتكتفي بمرفوعها ترفع نوعين من الأسماء:

  • الاسم الظاهر:

  1. مثال: "أَقاطِنٌ قَوْمُ سَلْمَى، أمْ نَوَوْا ظَعَنا؟ -- إِنْ يَظْعَنُوا فَعَجِيبٌ عَيْشُ ومَنْ قَطَنا"
  2. (هنا "قاطن" وصف مفرد، "قوم" اسم ظاهر جمع، وقد اكتفى "قاطن" بقوم كفاعل له، وسدّ مسدّ الخبر).
  • الضمير المنفصل:
    1. مثال: "خَليليَّ، ما وافٍ بِعَهْدِيَ أنتُما -- إذا لم تكونا لي على مَنْ أُقاطِعُ"
    2. (هنا "وافٍ" وصف مفرد، "أنتما" ضمير منفصل مثنى، وقد اكتفى "وافٍ" بالضمير كفاعل له، وسدّ مسدّ الخبر).

حالات لا تُعدّ فيها الصفة مبتدأ:

  • إذا رفعت الصفة ضميرًا مستترًا: في هذه الحالة، لا تُعدّ الصفة من هذا الباب (أي مبتدأ).

  1. مثال: "زُهيرٌ لا كسولٌ ولا بَطيءٌ" (هنا "كسول" و"بطيء" ترفعان ضميرًا مستترًا تقديره "هو" يعود على "زهير"، وبالتالي فهما خبران لما قبلهما).
  • إذا كانت الصفة تكتفي بمرفوعها، ولكنها خبر مقدم:
  1. مثال: "ما كسولٌ أخواهُ زُهيرٌ" (هنا "كسول" خبر مقدم لـ"زهير"، و"زهير" مبتدأ مؤخر، و"أخواه" فاعل لـ"كسول").

العلاقة بين الوصف ومطابقة العدد:

الخلاصة هي أن الصفة التي يُبتدأ بها وتكتفي بمرفوعها عن الخبر، هي تلك التي تخالف ما بعدها في التثنية أو الجمع.

  • إذا طابقت الصفة ما بعدها في التثنية أو الجمع: فإنها تُعرب خبرًا مقدمًا، وما بعدها يُعرب مبتدأ مؤخرًا.
  1. مثال: "ما مُسافرانِ أخوايَ" (مسافران: خبر مقدم يطابق أخوايَ في التثنية، أخوايَ: مبتدأ مؤخر).
  2. مثال: "فهل مسافرونَ إخوتُكَ؟" (مسافرون: خبر مقدم يطابق إخوتك في الجمع، إخوتك: مبتدأ مؤخر).
  • إذا طابقت الصفة ما بعدها في الإفراد: في هذه الحالة، يجوز فيها وجهان إعرابيان:

    جواز كون الوصف مبتدأ: ويكون ما بعده مرفوعًا به وقد أغنى عن الخبر.
  1. جواز كونه خبرًا مقدمًا: ويكون ما بعده مبتدأ مؤخرًا.
  2. مثال: "هل مسافرٌ أخوكَ؟" (يمكن إعراب "مسافر" مبتدأ و"أخوك" فاعل سدّ مسد الخبر، أو إعراب "مسافر" خبر مقدم و"أخوك" مبتدأ مؤخر).

أحدث أقدم

نموذج الاتصال