الأسباب الاقتصادية للصراع بين القبائل البدوية في المناطق الحدودية المصرية.. فرض نفوذها على التجارة المارة بالمناطق التى تقطن فيها بحكم خبرتها بطرق القوافل التجارية

فرضت القبائل البدوية نفوذها على التجارة المارة بالمناطق التى تقطن فيها بحكم خبرتها بطرق القوافل التجارية، وقد ترتب على ذلك أن دفع التجار إتاوات معلومة للقبائل المسيطرة على تلك المناطق خوفاً من أن تهاجم أو تسلب أمتعتها، أما المياه والمراعي فهي مشاعاً لجميع القبائل، فلا تمنع قبيلة قبيلة أخرى من مياهها ومراعيها إلا في زمن الحرب فكانت المراعى في أرض القرارة "شمال خان يونس في غزة" مشهورة بخصوبة أرضيها ومراعيها الوفيرة و كان يرحل إليها عرب الترابين من حدود مصر الشرقية للاستفادة من مراعيها و قد حدث صراع على تلك المراعى بين قبيلتي الترابين و الرميلات، فدارت حرب بين القبيلتين عام1904م انتصر فيها الترابين، وطردوا الرميلات وسكنوا مكانهم حتى أدخلوهم إلى مدينة العريش، مما دفع السواركة إلى الترحيب بهم وأسكنوهم على الحد الشرقي من جهة العريش و تعرف حالياً بمنطقة (الماسورة) وعرف هذا اليوم بيوم القرارة.

وفي حدود مصر الشرقية حظيت التجارة بالنصيب الأكبر لهجمات العربان بسبب احتكار أربع قبائل رئيسية عملية نقل البضائع من السويس إلى القاهرة، وبين العريش والقاهرة وهي قبائل: (الترابين - الحويطات - عرب الطور - العايد) وقد تحكمت هذه القبائل بذلك إلى حد كبير في أسعار النقل.

كما نهب عربان الترابين قافلة تجارية قادمة من السويس إلى بلاد الشام تحتوي على ما يزيد على أربعة آلاف من الجمال المحملة بالبن والبهارات والمنسوجات.

كما جرت اعتداءات متكررة بين قبائل العربان المتنقلة على حدود مصر والشام، فكثيراً ما اعتدى عربان المعازة على العربان المسافرين عبر مناطقهم وأخذ ما معهم من متاع، وكثيراً ما قام العربان بنقل وتهريب البضائع المنهوبة إلى غزة بغرض بيعها هناك قبل ضبطها معهم.

وفي المقابل نجد عربان بلاد الشام يقومون بالهجوم على بعض القبائل التى تسكن حدود مصر الشرقية لنهب أمتعتها ففي يناير عام 1906 م قام خمسة من عربان السعدين والمعازة والقديرات القاطنين ببلاد الشام بالهجوم على جماعة من عرب اللحيوات القاطنين على حدود مصر الشرقية ونهبوا لهم جملاً وقتلوا أحد الأفراد يدعى "سلامة بن رضوان" وعادوا إلى بلادهم.

أما في حدود مصر الغربية فقد شهدت الفترة قيد الدراسة غارات البدو المتعددة بغرض السلب والنهب ففي عام 1905 م قامت قبيلة الأواغير في بنغازي بالإغارة على قبيلة "القطيفة" إحدى فروع قبائل أولاد على والتي تسكن حدود مصر الغربية, ونهبوا لها50 بعيراً من إبلها, وقتلوا راعي الإبل.

وفي نفس الوقت شهدت الحدود المصرية الغربية هروب شيخ قبيلة الشهبات عبد القادر الكظة وأفراد قبيلته إلى داخل الأراضي المصرية وطلبوا من قبائل أولاد على حمايتهم بعد أن قاموا بقتل 34 شخصاً من قبيلة الأواغير في مدينة بنغازي الليبية من بينهم امرأة ونهبوا خيامهم وجميع ممتلكاتهم من ماشية وإبل.

ويرجع ذلك إلى أن قبيلة الأواغير منذ البداية اعتدت على قبيلة الشهابات بقوة مكونه من 400 بدوي كان من نتيجتها إصابة العديد من أفراد قبيلة الشهابات وفد أجارت قبيلة أولاد على أفراد قبيلة الشهابات وأنزلوهم منطقة الخور(khur) بالقرب من سيدي براني.

ودفع ذلك عبد القادر إلى الانتقام من أولاد على أملاً في الوصول إلى الشهابات وكان رد الفعل أن أسرع مشايخ البدو المصريين في دائرة منطقة مرسى مطروح بتقديم التماس إلى الحكومة المصرية طالبين حمايتها لهم من هذه الاعتداءات.

وفي منتصف فبراير 1905 م وصل تحذير إلى تجار الماشية والأغنام والإبل في بنغازي من أن قبائل أولاد على ينوون السطو على قطعانهم أثناء مرورها داخل حدود مصر الغربية, وسبب الخبر ذعراً بين هؤلاء التجار دعاهم إلى إرسال برقيات إلى الحكومة المصرية طالبين منع القلاقل والاضطرابات على طريق التجارة البري بنغازي - مصر.

وفي أوائل مارس 1907م تقدم أحد أفراد قبيلة أولاد على بشكوى من قبيلة "البرصة" قد سطت عليها ونهبت 300 رأس من الأغنام، كما استولت على بعض أسلحته.

وفي 20مارس 1907 م استولت قبيلة أولاد علي على ألف رأس من الغنم تابعة لقبيلة البرصة و قادتها داخل الأراضي المصرية.

وفي 29 أغسطس 1907م قام عدد من البدو من عائلة " أولاد ماري" إحدى فروع قبائل الشهابات والتي استقرت في منطقة سيدي براني باختراق الحدود و استولوا على ثمانية رؤوس من الماشية، وقتلوا أحد البدو من سكان الأراضي الليبية، وتم القبض على ثلاثة منهم، وتم إرسالهم إلى السلوم لمحاكمتهم وتوقيع الجزاء عليهم.

وبناءً على ما تقدم يتلا حظ أن الصراع المحلي بين القبائل والمتمثل في الاعتداءات المستمرة بين القبائل دفع بالجهات الحكومية المسئولة بالنظر إلى تلك الصراعات بصورة جدية، كما أخذ الشك يساورها بأنه ربما تكون تلك الصراعات من قوى خارجية تسعى لتحقيق أهدافها فى تلك المنطقة.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال