اعتبرت الصراعات القبلية التي شهدتها المناطق الحدودية المصرية الشرقية والغربية والتي بدأت في مطلع القرن العشرين من أهم المشاكل التي ثارت بين مصر وتركيا من جهة، وتدخلت فيها بريطانيا بحكم احتلالها لمصر عام 1882 م من جهة أخرى.
فقد اعتبرت بريطانيا أن تلك الصراعات هدفها إثارة الاضطرابات والقلاقل على حدود مصر الشرقية والغربية، وهو ما أكده اللورد كرومر فأشار إلى أن المشكلة ليست صراعاً بين القبائل البدوية من أجل التجارة أو الرعي أو السلب أو النهب بقدر ما هو صراع على تلك الحدود، وهو ما نحاول إبرازه على النحو التالي:
1- حدود مصر الشرقية:
انعكس الصراع بين القبائل على القرارات التي أصدرتها الحكومة بشأن إعادة النظام والهدوء إلى المنطقة، وخشية أن تمتد نيران القتال إلى أماكن كثيرة في سيناء، قامت الحكومة المصرية بتكثيف قواتها في مناطق الصراع، وعينت على رأس هذه القوات محافظ قلعة العريش محمد بك إسلام.
كما أصدرت تعليماتها إلى مشايخ قبائل سيناء تحذرهم وتمنعهم من الاشتراك في تلك المعارك القائمة بين الطرفين.
كما تدخلت الحكومة لإعادة ما نهبه أفراد قبيلة الترابين بخان يونس بغزة من أبناء قبيلة الرميلات وفى تطور آخر تابعت الحكومة المصرية في مارس 1905م حادثة مقتل التاجرين (محمد وإبراهيم الهنداوي) وكلفت الملازم (ميخائيل أفندي حبيب) بمطاردة الجناة من قبيلة الترابين وإلقاء القبض عليهم في غزة في 26مارس 1905 م كما صدر الأمر العالي بتشكيل محكمة خاصة لمحاكمة الجناة وحكمت المحكمة بإعدام الجناة شنقاً أمام قلعة نخل.
وقد أثار مقتل أحد قساوسة دير سانت كاترين في مايو 1905 م حفيظة الحكومة المصرية بسبب الخلاف بين القبائل حول قيمة تأجير الجمال التي كانت تحصل عليها قبيلتي الصوالحة والعليقات حيث أرادت قبيلة الجبالية أن يكون لها نصيب في تلك القيمة فرفضت القبيلتان ذلك رغم تحالف قبيلة الجبالية مع إدارة الدير فأصدرت الحكومة أوامرها بتعيين المستر براملى (Brimley) مفتشاً لسبه جزيرة سيناء عام 1905م وسعد بك رفعت قومنداناً في 30 مايو 1905م للعمل على حل تلك الخلافات.
وقد خطى بريملى خطوات جادة في إعادة الهدوء والاستقرار بالمنطقة فنظم إدارة البوليس وعهد بالإصلاح الإداري واهتم بالمشروعات الزراعية، فنظم البوليس، وأقام سداً في وادي العريش لزيادة مساحة الأراضي الزراعية كمحاولة لتوطين البدو واستقرارهم في وسط سيناء وقد أثار تعيينه الحكومة العثمانية حيث وصلت إليها الأخبار بأن انجلترا تعد صحراء سيناء لأعمال حربية مهمة كإقامة القلاع في المنطقة وقد أكدت الصحافة تلك الأخبار، ففي مقال لجريدة اللواء في 9 ديسمبر 1905م نبه فيه الكاتب بأن نظارة الحربية أخذت في وضع تصميمات هذه الأعمال.
وهذا أثار حفيظة الباب العالي التي أمرت قوة تركية في 21 يناير 1906 بالتقدم من العقبة إلى طابا وهو ما رفضته الحكومة المصرية ووضحه القائم بأعمال المعتمد البريطاني في القاهرة المستر فندلي (VENDLEY) إلى وزارة الخارجية في لندن يؤكد أن طابا داخل الحدود المصرية كما بين في رسالته خريطة تبين ذلك، وبناءً عليه أصدرت الحكومة المصرية في يناير 1906 م أمراً إلى مفتش سيناء برا ملى بإقامة نقاط حراسة لمراقبة الحدود.
فاتجه براملى لإقامة نقطة مراقبة في منطقة النقب وفى نفس الوقت طلبت الحكومة المصرية من السلطان تعيين لجنة لتخطيط الحدود وكان رد فعل الدولة العثمانية أن طلب ممثلها (رشدي باشا) من براملى العودة من جهة ورفضت طلب الحكومة المصرية من جهة أخرى لذا قامت الحكومة المصرية بتزويد الأميرالاي سعد بك رفعت قومندان سيناء بفرقة من العساكر النظامية لاحتلال وادي طابا، وكان قد سبقه إلى هذا المكان ممثل الحكومة العثمانية (رشدي باشا).
وفي ذلك يقول "سعد بك رفعت" قومندان الحكومة المصرية في سيناء: "فلما وصلت بنا الباخرة ميناء طابا رأيت العساكر التركية قد انتشرت على التلال التي تطل على طابا من جهة الشرق وقائدهم ضابط برتبة بكباشي واقفاً على الشاطئ, فأمرت العساكر بالاستعداد للنزول إلى البر وسبقتهم إليه، فاستقبلني القائد المذكور وقال: ما الخبر؟!! قلت: قد جئت ببعض العساكر المصريين للتمركز بطابا، فقال: إن طابا في حد العقبة وجزء منها فلا أسمح لأحد أن ينزل فيها، قلت: بل أن طابا في حد الجزيرة وقد أقمت فيها بنفسي مع العساكر بعد إخلاء العقبة عام 1892 م مدة تسعة أشهر وحفرت فيها هذه البئر ودللته عليها.. وفيما أنا أناقشه حضر المستر براملي براً من نخل، واشترك معنا في المناقشة، فأصر القائد التركي على قوله وسوف يقاومنا إذا أنزلنا العساكر إلى البر، وكانت عساكره قد انتشرت على التلال، وصوبت نيرانها نحونا، فرأينا اجتناب الأمر، وعدنا إلى الباخرة في جزيرة فرعون ثم أرسلنا الخبر إلى حكومتنا ومكثنا في انتظار الرد.
وفي 17 فبراير 1906 م تطورت الأحداث وتلاحقت فقد صدرت الأوامر إلى قومندان طراد السويس "نيس هورنبي" بالتوجه إلى جزيرة فرعون لمنع الجنود الأتراك من التوغل في سيناء، وكانت القوات التركية التي قدرت بحوالي 2000 جندي قد اتخذت مواقعها عند منحدر الجبل وعلى استعداد لإطلاق النيران.
وتفاقمت الأزمة وأدار الموقف المصري إبان تلك الفترة الأزمة على محورين:
- الأول: التصميم على "تعليم" خط الحدود بين مصر والأراضي الخاضعة للدولة العثمانية الواقعة شرقيها وعدم الاكتفاء "بتعيين" هذا الخط كما جري عام 1892م الأمر الذي جعله عرضه للانتهاك من الجانب التركي.
- الثاني: التأكيد على كافة المستويات "على مصرية طابا" فعلي مستوي الاتصالات مع حكومة اسطنبول تم رفض أي محاولة من جانبها حتى بمجرد التشكيك في "مصرية المنطقة" وعلى المستوي البريطاني والدولي حرصت حكومة لندن إبلاغ كافة الأطراف باستبعاد أي شكوك حول "مصرية طابا".
وقد جرت بين الطرفين مراسلات للنظر في الأمر أصر فيها ممثل الحكومة المصرية على أن المنطقة التي نزلت فيها القوات التركية (طابا) مصرية، لذا لجأت الحكومة المصرية وبريطانيا إلى إجراء أكثر حسماً فقدمت إنذار إلى اسطنبول في 3 مايو 1906 بضرورة تعليم خط الحدود من رفح إلى رأس خليج العقبة على أساس برقية جواد باشا المؤرخة في 8 أبريل 1892م وانسحاب القوات التركية كما وردت أخبار من الآستانة تفيد أن مختار باشا قادم إلى العقبة لتحديد الحدود وبانتهاء فترة الإنذار انسحبت القوات التركية من طابا والمركزين المصريين الآخرين.
كما اتفقت الحكومتان المصرية والعثمانية على إرسال مندوبين لتعيين الحدود فأصدر الخديوي عباس حلمي الثاني إرادة سنيه بتشكيل لجنة مصرية لتعليم الحدود، تتكون من إبراهيم فتحي باشا وأوين بك(OWEN) "رئيس قسم المخابرات"، اللواء إسماعيل باشا سرهنك وكيل الحربية والأميرالاي سعد بك رفعت قومندان سيناء مندوبون عن الخديوية ومعهم "نعوم بك شقير " كاتباً أما الجانب العثماني فكان يمثله أحمد مظفر بك، ومحمد فهمي بك.
وتلاحظ مما سبق أن عامل الديموجرافيا لعب دوراً بارزاً في تعليم الحدود المصرية الشرقية من خلال القبائل التي تقع على شرق الخط والقبائل التي تخضع تحت الإدارة التركية والتي كانت ادعاءاتها أحد محاور الاهتمام الدولي في التدخل لترسيم الحدود المصرية الشرقية مع الحكومة العثمانية.
وهو ما انعكس على تصرفات ممثلي الحكومة المصرية والدولة العثمانية التابعة لها مصر في ذلك الوقت، وسنرى أن إسرائيل فيما بعد استغلت هذا الخلاف حين ادعت أن طابا ليست مصرية، وحسم الأمر لصالح مصر بالتحكيم الدولي بالنطق بالحكم صباح يوم الخميس 29 سبتمبر 1988 "حيث أقرت المحكمة أن علامة الحدود 91 هي الوضع المقدم من جانب مصر والمعلم على الأرض حسب ما هو مسجل في المرفق أ لمشارطه التحكيم.
2- حدود مصر الغربية:
فقد شهدت تلك الحدود في مطلع القرن العشرين صراعاً بين القبائل سواء التي كانت تسكن داخل الأراضي المصرية أو الليبية نتج عنه استنجاد قبائل مطروح بالحكومة المصرية مطالبة إياها بالحماية اللازمة من الغارات المستمرة من قبائل البدو المجاورة على الحدود الغربية ولذا كثفت الحكومة جهودها لإعادة الهدوء والاستقرار لتلك المناطق من خلال زيارات المسئولين المتعددة إلى جانب المراسلات والمكاتبات التي كانت تتم بين الطرفين.
وتلاحظ مما سبق أن عامل الديموجرافيا لعب دوراً بارزاً في تعليم الحدود المصرية الشرقية من خلال القبائل التي تقع على شرق الخط والقبائل التي تخضع تحت الإدارة التركية والتي كانت ادعاءاتها أحد محاور الاهتمام الدولي في التدخل لترسيم الحدود المصرية الشرقية مع الحكومة العثمانية.
وهو ما انعكس على تصرفات ممثلي الحكومة المصرية والدولة العثمانية التابعة لها مصر في ذلك الوقت، وسنرى أن إسرائيل فيما بعد استغلت هذا الخلاف حين ادعت أن طابا ليست مصرية، وحسم الأمر لصالح مصر بالتحكيم الدولي بالنطق بالحكم صباح يوم الخميس 29 سبتمبر 1988 "حيث أقرت المحكمة أن علامة الحدود 91 هي الوضع المقدم من جانب مصر والمعلم على الأرض حسب ما هو مسجل في المرفق أ لمشارطه التحكيم.
2- حدود مصر الغربية:
فقد شهدت تلك الحدود في مطلع القرن العشرين صراعاً بين القبائل سواء التي كانت تسكن داخل الأراضي المصرية أو الليبية نتج عنه استنجاد قبائل مطروح بالحكومة المصرية مطالبة إياها بالحماية اللازمة من الغارات المستمرة من قبائل البدو المجاورة على الحدود الغربية ولذا كثفت الحكومة جهودها لإعادة الهدوء والاستقرار لتلك المناطق من خلال زيارات المسئولين المتعددة إلى جانب المراسلات والمكاتبات التي كانت تتم بين الطرفين.
ورغم ذلك تطورت الأحداث وتلاحقت ففي نوفمبر 1904م قامت الحكومة العثمانية ببناء مخزنين في السلوم، وإقامة نقطة عسكرية تركية صغيرة على قمة هضبة السلوم المشرفة على الميناء لمراقبة الأوضاع، ومن جانب آخر قام مأمور العشور التركي بجمع العشور من البدو الموجودين في تلك المنطقة لتأكيد سيادتها على تلك المناطق.
ولكن بريطانيا احتجت لدى الباب العالي في 13نوفمبر 1904م على تلك الانتهاكات واعتبرتها بمثابة مناوشات موجهة هدفها إثارة الفزع والرعب بين سكان المناطق على الحدود تمهيداً لأعمال حربية.
ولكن الباب العالي رد على الاحتجاج البريطاني بأن الموضع ما هو إلا نقطة عسكرية لا يتعدى أفرادها 15 جندياً، وأن هذه القوة لن تزداد إطلاقاً في المستقبل.
لذلك دفعت الحكومة البريطانية بمذكرة بعث بها القائم بالأعمال البريطانية لدى الباب العالي بناء على اقتراح للورد كرومر في 19 نوفمبر 1904م وقال فيها: "مما لا جدال فيه أن حدود مصر الغربية تبدأ من رأس جبل السلوم ثم تتجه إلى الجنوب الغربي لتضم سيوه وجغبوب , وحتى الآن لا توجد نقطة لتركيا قرب الحدود المصرية إلا ميناء طبرق على بعد 60 ميلاً غرب السلوم.
ولكن بريطانيا احتجت لدى الباب العالي في 13نوفمبر 1904م على تلك الانتهاكات واعتبرتها بمثابة مناوشات موجهة هدفها إثارة الفزع والرعب بين سكان المناطق على الحدود تمهيداً لأعمال حربية.
ولكن الباب العالي رد على الاحتجاج البريطاني بأن الموضع ما هو إلا نقطة عسكرية لا يتعدى أفرادها 15 جندياً، وأن هذه القوة لن تزداد إطلاقاً في المستقبل.
لذلك دفعت الحكومة البريطانية بمذكرة بعث بها القائم بالأعمال البريطانية لدى الباب العالي بناء على اقتراح للورد كرومر في 19 نوفمبر 1904م وقال فيها: "مما لا جدال فيه أن حدود مصر الغربية تبدأ من رأس جبل السلوم ثم تتجه إلى الجنوب الغربي لتضم سيوه وجغبوب , وحتى الآن لا توجد نقطة لتركيا قرب الحدود المصرية إلا ميناء طبرق على بعد 60 ميلاً غرب السلوم.
وبناء على تلك المراسلات التي دارت بين الطرفين أمرت الحكومة المصرية قائد حرس السواحل لميناء السلوم بزيارة المنطقة في 31 يناير 1905م، كما تقدم وزير الخارجية البريطانية لانسدون (Lansdowne) باحتجاج لدى الباب العالي طالباً إياه أن يكف البدو الأتراك على الاعتداء على الأراضي المصرية عبر حدودها الغربية.
وهكذا أخذت مشكلة غارات البدو تطل برأسها من جديد، حيث سطت قبيلة البرصة في أوائل مارس 1907 م على أحد أفراد قبيلة أولاد على، ونهبت 300 رأس من الأغنام كما وضحنا من قبل وقد أثار ذلك الحكومة المصرية والسلطات البريطانية، الأمر الذي دفع وزير الخارجية البريطاني تقديم احتجاج لدى الباب العالي يبين فيه خطورة تلك الاعتداءات المستمرة على السكان المصريين في تلك المناطق كما أرسلت الحكومة المصرية وفداً من مساعد مدير مديرية البحيرة ومأمور مركز مطروح إلى بنغازي للتباحث مع متصرف بنغازي للتوفيق بين قبيلتي (الأواغير والشهابات) ولكن الوفد فشل في مهمته بسبب العداء المرير بين القبيلتين، وأمام تلك الجهود أرسل كرومر إلى جراي رسالة يعلن له فيها خشيته من انفجار الموقف الداخلي وإن ذلك سيؤدي بالتالي إلى نزاع حدودي جديد مع تركيا، وأن الحكومة المصرية تود بصفة جدية أن تتجنب الصراع مع الحكومة التركية باعتبارها حكومة الدولة صاحبة السيادة القانونية.
ولإيقاف ذلك الصراع يمكن أن يتم بقيام الحكومة المصرية بتشكيل قوة من الهجانة المصرية قوامها مائة جندي تعمل على تحقيق الأمن والنظام داخل الأراضي المصرية.
وقام جراي بإبلاغ سفير تركيا في لندن موزورس باشا بتشكيل هذه القوة موضحاً له أن الغرض من إنشائها هو حفظ الأمن وإعادة الهدوء إلى منطقة الحدود، ولكن سرعان ما تعقدت الأمور من خلال الرسالة التي وصلت في 20 مارس 1907م من قنصل بريطانيا رافائيل فونتانا والتي تفيد باستيلاء أولاد على على 1000 رأس من الغنم تابعة لقبيلة برصه وقادتها إلى داخل الأراضي المصرية، واتضح فيما بعد أن إشاعة الاستيلاء ليس لها أي أساس من الصحة إلا أن اختراق قبيلة برصه للمناطق الحدودية قد أثار الذعر بين قبائل البدو.
ورغم ما انتهت إليه عملية الاختراق والوصول إلى اتفاق بين الأطراف المتصارعة في آخر مارس 1907م، والتوقيع على وثيقة الصلح التي عرفت باسم " المضبطة " إلا أن الخوف من إغارات جديدة ظل يراود سكان تلك المناطق فكان اختراق " أولاد ماري" الحدود من الجانب التركي في 29 أغسطس 1907م قد دفع هذا بالحكومة المصرية إلى تعقب الجناة, فقبضت على ثلاثة منهم، وصدرت الأوامر من الحكومة المصرية بتسليمهم إلى السلطات التركية لمحاكمتهم بمعرفتها.
وأمام تلك التطورات للأحداث شهدت المنطقة نشاطاً مكثفاً من جانب القوى الأوروبية في محاولة منها لإثارة مشكلة الحدود من جديد.
وأمام تلك التطورات للأحداث شهدت المنطقة نشاطاً مكثفاً من جانب القوى الأوروبية في محاولة منها لإثارة مشكلة الحدود من جديد.
فقد دأبت إيطاليا قبل احتلالها ليبيا للوصول إلى اتفاق لتحديد الحدود بين مصر وطرابلس طبقاً للاتفاقية الموقعة بينها وبين بريطانيا في 11 مارس 1902م والتي تتضمن ضرورة تحديد الحدود بين مصر وطرابلس الغرب.
كما حصلت على اتفاق آخر مع فرنسا في ديسمبر 1904م بتأييدها في طرابلس الغرب مقابل إطلاق يدها في المغرب، وفي عام 1904م وعدت إيطاليا روسيا بتأييد مطامعها في الدردنيل والبوسفور مقابل تعهد روسيا بمناصرتها في طرابلس الغرب وبرقة.
وقد دفعت تلك المعاهدات التي وقعتها إيطاليا إلى أن تجري اتصالات مكثفة مع الحكومة البريطانية للسعي في تحديد الحدود المصرية الليبية، ففي فبراير 1907م قام السينور مالموس (Mamoos) قنصل إيطاليا في مصر بالاستفسار من اللورد كرومر عما إذا كان لديه اعتراض حول تحديد الحدود الطرابلسية المصرية.
وفي 28 مايو 1907م اتصل السفير الإيطالي بوزير الخارجية البريطانية يعلن له عن رغبة إيطاليا في الوصول إلى اتفاق حول الحدود بين مصر وطرابلس، كما قدم وزير الخارجية الإيطالي المركيز دي سان جوليانو (Di San Giuliano) مسودة مذكرة حول حدود مصر طرابلس جاء فيها: "بمقتضى إعلان السفير البريطاني في روما بتاريخ 11 مارس 1902م والذي قبله وزير خارجية إيطاليا حدوث اتفاق خاص بين الحكومتين الإيطالية والبريطانية فيما يتعلق بولاية طرابلس الغرب ومتصرفة بنغازي، ونظراً للأهمية المتبادلة بين الحكومتين التي ستنتج عن تحديد الحدود بين مصر وجيرانها تعلن الحكومة الإيطالية أن الحدود الشرقية لطرابلس الغرب وبرقة تبدأ من رأس بولان على ساحل البحر المتوسط، وتسير مع خط طول 25 شرقاً حتى يتقاطع مع خط عرض 15 شمالاً بحيث يضم في الجانب الغربي منه خليج السلوم بأكمله حتى سيوه والكفرة (83)، ورغم رفض الحكومة البريطانية لتلك المذكرة فإن مشكلة رسم الحدود بدأت ملامحها تظهر بوضوح بين كافة الأطراف المهتمة بالمنطقة (84)، وهو ما سنحاول إبرازه من خلال الاتفاقيات الدولية التي أبرمت بهذا الشأن.