التعليم في الجامعات في القرون الوسطى.. نشأة الجامعات في المدارس العامة الملحقة بالمؤسسات الدينية من كنائس وأديرة وكاتدرائيات وأبريشيات



لم تكن الجامعات وليدة يوم وليلة، ولم تنشأ متطورة طفرة واحدة في محيط العلم والتربية والتعليم.

شأنها في ذلك شأن أي ظاهرة من ظواهر التاريخ، إنما كانت نتيجة طبيعية ومنطقية لعدة عوامل وظروف ترجع إلى قرون طويلة ويمكن القول أن الجامعات مرت بعدة مراحل ريسية مميزة إلى أن وصلت إلىطور النضح والكمال.

تقع المرحلة الأولى من تاريخ نشأة الجامعات في المدارس العامة الملحقة بالمؤسسات الدينية من كنائس وأديرة وكاتدرائيات وأبريشيات

فقد كانت هذه المدارس أو المؤسسات هي المشعل الذي أضاء ظلمات القرون الوسطى وإن ارتبط تأسيس هذه المدارس بالدين وتعلم الطلاب العلوم اللاهوتية وكذا قواعد اللغة اللاتينية وكذا علوم الكلام والمقصود بها المنطق والجدل، حتى يتمكن الطلاب فيما بعد من إقناع الخارجين عن الدين والرد على الهراطقة والوثنيين إلى جانب قواعد الحساب والفلسفة لتحدي أيام الأعياد والقديسين وبعض قواعد فن الموسيقى لأداء ترانيم الكنيسة.

ولقد لقيت هذه المدارس تشجيع كبار رجال الدين على رأسهم البابوات كما لقيت الكثير من العناية من الحكام والملوك منذ أيام الإمبراطور شارلمان.

أما في المرحلة الثانية فقد عرفت هذه المدراس الدينية ازديادا كبيرا في عدد روادها وازدهار بعضها ورجحت كفتها على غيرها من المدارس بسبب ظهور أساتذة مبرزين فيما بعد مما دفع الطلاب إلى الإقبال عليها من كل مكان في الغرب لتلقي العلوم على أساتذتها والإفادة منهم.

وقد نتج عن ازدهار تلك المدارس نموها في المرحلة الثانية حيث تحولت إلى معاهد علمية كبيرة بفضل أساتذتها الذين كانوا يحاضرون بها.

فكلما ارتفعت مكانة الأساتذة من الناحية العلمية كلما ارتفع شأن المعهد الدي يدرسون به وكلما ازداد عدد الطلاب المقبلين عليه من كل صوب.

ونجد مثلا حيا لذلك في عهد الفيلسوف بطرس أبيلارد صاحب فسلسفة الشك والتشكك، عندما أخذ يحاضر ويجادل في باريس وقيام القديس برنارد بتفنيد آرائه وتعاليمه ومقارعته الحجة بالحجة والبرهان بالبرهان، فأثار جدلاً علمياً رائعا وحركة فكرية نشطة وهرع إليهما آلاف الطلاب وهو أمر لم تألفه باريس من قبل وأخذ الإقبال يتزايد على المعاهد وبدأت الجامعات تظهر في النصف الثاني منه ظهورا جليا واضحاً.

وفي المرحلة الثالثة  أين أخذ عدد الطلاب في تلك المعاهد في ازدياد مطرد حتى أنهم بلغوا الآلاف في باريس وحدها وإزاء ذلك وحتى يضمنوا لأنفسهم سبل الأمن والسلامة والاستقرار في هذه المراكز العلمية الجديدة والبعيدة عن أوطانهم قرروا أن ينشئوا فيما بينهم اتحاداً أو نقابة على نسق ما كان جاريا في العصور الوسطى بين طوائف الجار والعلمال والصناع.

والهدف أن يكون هذا الاتحاد بمثابة شخصية معنوية تنظر في مشاكلهم وترعى شؤونهم ومصالحهم الخاصة والعامة.

لقد ظل هذا النظام شائعاً فقد لقي الطلاب كثيرا من المشاكل خصوصا في جانب وسائل وسبل الراحة من حيث المأوى والمأكل.

وقد عولجت هذه المشكلة عندما افتتح بعض المدرسين نزلاً للمأوى والمأكل لم يكن يسمح للإقامة به سوى للطلبة المغتربين كما أقيمت نزل لصالح المفقراء كان ينفق عليها من الإعانات الخيرية خاصة.

وجاءت بعد ذلك المرحلة الرابعة والأخيرة في تكوين الجامعات وتتمثل في الاعتراف الرسمي بشخصيتها وكيانها من جانب السلطات الدينية والدنيوية على السواء.

ولذلك أصبح للجامعات من الحقوق والخاصة بها باعتبارها وحدة مستقلة لها كيانها ومقوماتها ما يضمن لها سطلة تنظيم أمور العلم والتعليم فيها ومنح الدرجات العلمية وتحديد المناهج والمقررات وما إلى ذلك مما يضمن لخريجيها حق مزاولة مهنة التدريس.