النظام التواصلي المتكامل: من جاكبسون إلى الغذامي وهوكس
يُعدّ نموذج عالم اللسانيات الروسي رومان جاكبسون (Roman Jakobson) من أهم النماذج التي تُحلل العملية التواصلية، حيث يُحدد ست وظائف أساسية للغة، ترتبط كل وظيفة منها بعنصر من عناصر الاتصال (المرسل، المتلقي، الرسالة، القناة، السياق، الشفرة). ومع ذلك، لم يتوقف التفكير النقدي عند هذا النموذج، بل شهد محاولات لتوسيعه وإضافة وظائف جديدة تُواكب تعقيدات التواصل البشري والثقافي. في هذا السياق، برزت إضافتان مهمتان: الوظيفة النسقية التي اقترحها عبد الله الغذامي، والوظيفة الأيقونية التي طرحها تيرنس هوكس.
استعراض موجز لنموذج جاكبسون الأصلي ووظائفه الست
قبل الخوض في الإضافات، من المهم التذكير بوظائف جاكبسون الستة الأساسية:
- الوظيفة الانفعالية (Emotive/Expressive): ترتبط بالمرسل، وتُعبر عن مشاعره وانفعالاته (مثال: "أنا سعيد!").
- الوظيفة الإفهامية (Conative): ترتبط بالمتلقي، وتهدف إلى التأثير عليه أو حثه على فعل شيء (مثال: "افعل هذا!").
- الوظيفة المرجعية (Referential): ترتبط بالسياق، وتُركز على نقل المعلومات أو الحقائق عن العالم الخارجي (مثال: "السماء زرقاء").
- الوظيفة الميتالغوية (Metalingual): ترتبط بالشفرة، وتُستخدم لتوضيح معنى الكلمات أو القواعد اللغوية نفسها (مثال: "كلمة 'قلم' تعني أداة الكتابة").
- الوظيفة الشعرية/الجمالية (Poetic): ترتبط بالرسالة نفسها، وتُركز على جمالية صياغة اللغة وتركيبها (مثال: الشعر، الأمثال).
- الوظيفة الانتباهية/الاحتفالية (Phatic): ترتبط بالقناة، وتهدف إلى فتح أو إغلاق أو الحفاظ على قناة الاتصال (مثال: "ألو؟ هل تسمعني؟").
الوظيفة النسقية: إضافة عبد الله الغذامي
أضاف الناقد السعودي عبد الله الغذامي وظيفة سابعة إلى نظام جاكبسون، أطلق عليها "الوظيفة النسقية". هذه الوظيفة، حسب الغذامي، تُركز على عنصر محوري في العملية التواصلية غالبًا ما يُغفل، وهو النسق الثقافي.
- مفهوم النسق الثقافي: يُشير النسق الثقافي إلى الإطار العام للقيم، المعتقدات، التقاليد، الأعراف، والمؤسسات التي تُشكل وعي الأفراد داخل مجتمع معين. هذا النسق ليس مجرد خلفية للتواصل، بل هو قوة فاعلة تُحدد طريقة إنتاج الرسائل، تفسيرها، وقبولها.
- وظيفته في التواصل: ترى الوظيفة النسقية أن كل رسالة تُنتج وتُستهلك ضمن سياق ثقافي مُحدد. فالكلمات، الإيماءات، الرموز، وحتى الصمت، تحمل دلالات مُحددة تُشتق من هذا النسق. على سبيل المثال، قد تكون كلمة أو إيماءة مقبولة في نسق ثقافي ومسيئة في آخر. تُسلط هذه الوظيفة الضوء على أن الفهم الحقيقي للرسالة يتطلب إدراكًا للنسق الثقافي الذي تنتمي إليه، وكيف يُشكل هذا النسق القوالب الفكرية والسلوكية للأفراد.
- أهميتها: تُعزز الوظيفة النسقية من فهمنا لتعقيدات التواصل العابر للثقافات، وتُبرز أن الأخطاء في الفهم لا تنجم دائمًا عن مشكلات لغوية، بل قد تكون نتيجة لاختلاف النسق الثقافي الذي يوجه عمليات الترميز وفك الترميز.
الوظيفة الأيقونية: إضافة تيرنس هوكس
من جهة أخرى، أضاف السيميائي البريطاني تيرنس هوكس (Terence Hawkes) وظيفة أخرى إلى نظام جاكبسون، وهي "الوظيفة الأيقونية". هذه الوظيفة تُركز على عنصر جوهري في التواصل غير اللفظي، وهو الأيقون البصري.
- مفهوم الأيقون البصري: يُشير الأيقون البصري إلى كل ما هو مرئي ويحمل دلالة أو معنى بشكل مباشر أو غير مباشر، ويُمكن أن يُشمل الصور، الرسوم التوضيحية، الإيماءات، لغة الجسد، وحتى الأشياء المادية التي تُستخدم للتواصل (مثل الإشارات المرورية، الشعارات).
- وظيفته في التواصل: تُقرّ الوظيفة الأيقونية بأن التواصل لا يعتمد فقط على اللغة المنطوقة أو المكتوبة، بل إن للعناصر البصرية دورًا محوريًا. فالصورة قد تُعبر عن ألف كلمة، والإيماءة قد تُغير معنى العبارة اللفظية. هذه الوظيفة تُبرز كيف تُستخدم الأيقونات البصرية لتعزيز الرسالة، أو لتوفير معلومات لا يمكن للغة اللفظية وحدها نقلها بنفس الكفاءة، أو حتى لتكون هي الرسالة الأساسية.
- أهميتها: تُصبح الوظيفة الأيقونية ذات أهمية بالغة في عالم اليوم الذي تُسيطر عليه وسائل التواصل المرئية، والإعلانات، والتصميم. إنها تُساعد على تحليل كيفية بناء المعنى وتفسيره من خلال العناصر البصرية، وتُسلط الضوء على العلاقة بين ما يُرى وما يُفهم.
الترتيب الجديد للوظائف التواصلية
بناءً على هذه الإضافات، فإن نظام جاكبسون التواصلي يتوسع ليُصبح على النحو التالي:
- إذا اعتبرنا إضافة الوظيفة النسقية (عبد الله الغذامي) هي الأولى زمنيًا في الترتيب بعد وظائف جاكبسون الست، فإنها تُصبح الوظيفة السابعة.
- وعند إضافة الوظيفة الأيقونية (تيرنس هوكس) بعد ذلك، فإنها تُصبح الوظيفة الثامنة.