أولية الشعر العربي.. القصائد الطوال المكتملة فنّياً يحدّد تاريخها على عهد عبد المطلب وهاشم بن عبد مناف

أولية الشعر العربي:

الشعر الجاهلي قديم موغل في القِدَم، مرَّ بأزمان طويلة ومراحل كثيرة، ومن العبث أن نحاول الكشف عن بدايته أو أوليته، فليس بين أيدينا أشعار تصور أطواره الأولى، وإنما بين أيدينا هذه الصورة التامة لقصائده بتقاليدها الفنية المعقّدة في الوزن والقافية، وفي المعاني والموضوعات، وفي الأساليب والصياغات المحكمة، وهي تقاليد تلقي ستاراً بيننا وبين طفولة هذا الشعر ونشأته الأولى، فلا نكاد نعرف عن ذلك شيئاً.

تحديد الفترة الزمنية للعصر الجاهلي الأدبي:

وليس من السهل تحديد فترة معينة لبدء تلك المحاولات، ويحاول الجاحظ أن يحدّد الفترة الزمنية للعصر الجاهلي الأدبي، فيقرّر أن أقدم شعر وصل إلينا قبل الإسلام بمئتي سنة على الأكثر، وهو شعر مقصَّد مطوّل، والجاحظ إذ يعيّن عُمْراً للشعر إنما هو الشعر الذي عُرِف وهو ناضج مكتمل، وليس من المعقول أن يكون هذا الشعر المقصَّد ممثلاً لطفولة الشعر العربي، بل المعقول أن يكون الشعر قد مرّ بمحاولات من الدُّرْبة والمِران امتدّت بها الأحقاب حتى وصل مكتمِلاً إلى مهلهل وامرئ القيس وعنترة وغيرهم.
وفي الشعر الجاهلي نفسه إشارات تدل على محاكاته لأقدم منه، وأنه مسبوق بكلام كثير، كما في قول امرئ القيس يشير إلى الشاعر ابن خذام في وقوفه- قبله - على الديار والبكاء عليها:
عُوجَا على الطَّلَلِ المُحِيلِ لَعلَّنا + نَبْكِي الدِّيارَ كما بَكَى ابْنُ خِذامِ

بداية الشعر العربي:

ويذكر ابن سلاّم، وابن قتيبة بعده، أن العرب بدأوا شعرهم بالأبيات القليلة يقولها الرجل في حاجته، أما القصائد الطوال المكتملة فنّياً فيحدّد تاريخها على عهد عبد المطلب وهاشم بن عبد مناف، ويورد - بعد ذلك - نماذج من الشعر عدّها من قديم الشعر الصحيح، وهي لـ: دُوَيد بن زيد بن نَهْد القضاعي، وأعْصُر بن سعد بن قيس عَيْلان، والعنبر بن عمرو بن تميم، والمستوغر بن ربيعة التميمي، وجَذيمة الأبرش، وزهير بن جِناب الكلبي، وهؤلاء كانوا ينظمون المقطّعات.

الجاهلية الثانية:

وتذكر الروايات أن الفترة الزمنية التي عاش فيها هاشم بن عبد مناف وعبد المطلب بن هاشم كانت في القرن الخامس والسادس الميلاديين، وهما الفترة التي أشار إليها الجاحظ بقرنين من الزمان قبل الإسلام، والتي تمثل الجاهلية الثانية، أما الجاهلية الأولى وهي الفترة التي تسبق هذا التاريخ فهي موغلة في القِدَم، وقد أشار إليها القرآن الكريم بقوله: (وَقَرْنَ في بُيُوتِكُنَّ، ولا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجاهِلِيةِ الأولى) [سورة الأحزاب، الآية: 33].

الجاهلية الأولى:

وفي الجاهلية الأولى بدأت أولية الشعر العربي، ويعتقد أنها بدأت بالرجز ثم تولّدت منه أوزان أخرى أجرى الشعراء عليها تجاربهم الأولى، انتهت بهم إلى ظهور فكرة البيت ثم المقطوعة، وإلى ظهور أوزان أخرى جديدة، ومن ثَمَّ إلى ظهور القصيدة الطويلة عن المهلهل ومن عاصره من شعراء حرب البسوس.