أولية الشعر العربي:
الشعر الجاهلي قديم موغل في القِدَم، مرَّ بأزمان طويلة ومراحل كثيرة، ومن العبث أن نحاول الكشف عن بدايته أو أوليته، فليس بين أيدينا أشعار تصور أطواره الأولى، وإنما بين أيدينا هذه الصورة التامة لقصائده بتقاليدها الفنية المعقّدة في الوزن والقافية، وفي المعاني والموضوعات، وفي الأساليب والصياغات المحكمة، وهي تقاليد تلقي ستاراً بيننا وبين طفولة هذا الشعر ونشأته الأولى، فلا نكاد نعرف عن ذلك شيئاً.
تحديد الفترة الزمنية للعصر الجاهلي الأدبي:
وليس من السهل تحديد فترة معينة لبدء تلك المحاولات، ويحاول الجاحظ أن يحدّد الفترة الزمنية للعصر الجاهلي الأدبي، فيقرّر أن أقدم شعر وصل إلينا قبل الإسلام بمئتي سنة على الأكثر، وهو شعر مقصَّد مطوّل، والجاحظ إذ يعيّن عُمْراً للشعر إنما هو الشعر الذي عُرِف وهو ناضج مكتمل، وليس من المعقول أن يكون هذا الشعر المقصَّد ممثلاً لطفولة الشعر العربي، بل المعقول أن يكون الشعر قد مرّ بمحاولات من الدُّرْبة والمِران امتدّت بها الأحقاب حتى وصل مكتمِلاً إلى مهلهل وامرئ القيس وعنترة وغيرهم.
وفي الشعر الجاهلي نفسه إشارات تدل على محاكاته لأقدم منه، وأنه مسبوق بكلام كثير، كما في قول امرئ القيس يشير إلى الشاعر ابن خذام في وقوفه- قبله - على الديار والبكاء عليها:
عُوجَا على الطَّلَلِ المُحِيلِ لَعلَّنا + نَبْكِي الدِّيارَ كما بَكَى ابْنُ خِذامِ
عُوجَا على الطَّلَلِ المُحِيلِ لَعلَّنا + نَبْكِي الدِّيارَ كما بَكَى ابْنُ خِذامِ