توقف التجربة الشعرية الجاهلية:
على الرّغم من أَننا نستطيع أن نقرّر دون تردد أنّ بزوغ نور الإسلام هو النهاية الحاسمة للعصر الجاهليّ، يبدو أن علينا ان نتريث قبل الحكم بانتهاء النمط الشعري الجاهليّ بمجرد ظهور الإسلام.
عصر الشعر الجاهلي:
والعصر الجاهليّ بمعناه الأدبي "لم ينتهِ بمجرد ظهور الإسلام، بل استمرّت التَقاليدُ الفنيّةُ الجاهليةُ بعد ظهورِ الإسلامِ أجيالاً كثيرةً.." ذلك ان ظهور الإسلام تحول جذري في حياة العرب، ولكن التحولات الجذرية التي تمتلك القدرة على إنهاء نظام ما بشكل حاسم تستنـزف في العادة وقتاً أطول لحسم ما انبثق عن ذلك النظام من توجهات فكرية واجتماعية.التحول الشعري:
كما أن التحول نفسه لا يمكن أن ينبثق منقطع الجذور عن المرحلة التي يسعى لتغييرها، ولهذا فان من السذاجة المفرطة أن نتصور بأن كلّ ما جاء به الإسلام وجد طريقة إلى عمق الحياة العربية، حتى غدا جزءاً من شخصية الأمة بمجرد ظهوره وانتشاره.
وحقيقة الأمر أن التطور الأدبي لا يمكن أن يكون ظاهره فجائية يقترن بتغير نوع الحكم، وبمجيء دولة، وذهاب أخرى، ولم يكن من السهل على أولئك الشعراء أن ينتقلوا من طور إلى طور بين ليلة وضحاها. وأن يُبدّلوا أفكاراً ومبادئ بأفكار ومبادئ أخرى، كما يخلع الانسان ثوباً قديماً بالياً ليلبس بدلاً منه ثوباً جديداً قشيباً.
تُرى مَنْ هو الانسان الفنان الذي نستطيع اعتباره خاتمة الشعراء الجاهليّين؟
وإلى متى استمرت التجربة الشعرية الجاهليّة في النمو والتدفق؟ وكيف حدث التحوّل؟
وإلى متى استمرت التجربة الشعرية الجاهليّة في النمو والتدفق؟ وكيف حدث التحوّل؟
خصائص الشعر الجاهلي:
أُطلق على الفترة الزمنية التي سبقت الإسلام بمئتي عام العصرُ الجاهليُّ، ونعلم أن الانسان الذي عاش في هذا الإطار الزمانيّ كان يتمتع بخصائصَ معينة، يتقارب فيها ابن الجزيرة، وابن العراق، وابن الشام، وهي البيئات التي انتشر فيها الشّعر، او هي البيئات التي كانت مسرحاً لتجربتنا الشعرية الناضجة، ومن هذه الخصائص اعتداد الانسان بذاته، وذوده عن شرفه، وحبه للضيف، وحبه للمرأة.
وكان مسرفاً في حُبّه، ومسرفاً في بغضه.
ونلاحظ أن هذه الصّفاتِ، وغيرَها، قد انعكست في أشعارهم، حتى ليستطيع قارئ هذا الشعر ان يرسم صورة دقيقة واضحة لذلك الانسان، من خلال أثره الأدبي الذي كثيراً ما اعتزّ به، ومنحه الكثير من ذاته.
ونلاحظ أن هذه الصّفاتِ، وغيرَها، قد انعكست في أشعارهم، حتى ليستطيع قارئ هذا الشعر ان يرسم صورة دقيقة واضحة لذلك الانسان، من خلال أثره الأدبي الذي كثيراً ما اعتزّ به، ومنحه الكثير من ذاته.
قيم الشعر الجاهلي:
فقارئ شعر الصّعاليك لا تغيب عن إدراكه صورة الصعلوك الذي اطلع على التوزيع السيء للثروة، فثار وتمرد.
وقارئ شعر طرفة ينهض أمام بصره ذلك الانسانُ المتمردُ، الذي ادرك عبثية الحياة فعكفَ على شرب الخمر، ومعاقرة اللذائذ بين ذراعي المرأة.
وقارئ شعر عنترة يلمس روح الانسان الشفافة، وعاطفته النبيلة، وعفته المتعالية، وحبه الذي لا حدود له، وشجاعته التي تفوق الأساطير.
وقارئ شعر النابغة، وزهير، والأعشى، ولبيد، يرى بوضوح مجموعة من القيم حرص الشاعر العربي على تنميتها وصقلها.
فهؤلاء وغيرهم خلّفوا لنا قيماً، كانت برأيهم الانسان الفاضل في العالم، ولو قمنا بتلخيصها، أو بإيجاد مفردات لها لكانت: الكرم، والتسامح، والبحث عن اللذة، والأخذ بالثأر، والعصبة القبلية، وحبّ القتال، وتفضيل الموت قتلاً، وعدم الإيمان بالبعث..
الشعر لبناء فلسفة خاصة في الحياة:
وكل هذه الخصائص استخلصناها من الشعر نفسه، وهنا نسأل: أين يقف أو ينتهي الانسان، الشاعر الذي ألحَّ على إبراز هذه الخصائص وتنميتها؟ونرى أن الجواب يكون عندما تتوقف في شعره أو تمّحى لتحلّ محلّها قيمٌ جديدة، أو بمعنى آخر، عندما يعثر على فلسفة خاصة في الحياة، فتتحول مفاهيمه بشكل جذري.
أما إذا استمر بتنميتها وتهذيبها وابرازها كمثل اعلى للإنسان المتكامل، فليس ثمّة ما يدفعنا إلى الاعتقاد أنه توقّف.
التسميات
شعر جاهلي