معركة كفر شوبا: صمود قرية لبنانية في وجه الهجوم الإسرائيلي (يناير 1975)
تُعد معركة كفر شوبا، التي جرت أحداثها في يناير 1975، واحدة من أبرز فصول المواجهة بين المقاومة الفلسطينية والجيش الإسرائيلي على الحدود اللبنانية-الفلسطينية. هذه المعركة لم تكن مجرد اشتباك عابر، بل كانت تجسيدًا للمقاومة الشرسة التي أبداها المقاتلون الفلسطينيون بدعم من الأهالي، في مواجهة هجوم إسرائيلي واسع النطاق استهدف معاقلهم في جنوب لبنان.
الشرارة الأولى: هجوم المقاومة الفلسطينية على "تل العلم"
بدأ التصعيد في 11 يناير 1975، عندما شنت قوات المقاومة الفلسطينية عملية نوعية استهدفت مركز تل العلم "جبل الروس"، الواقع في جبل الشيخ. هذا الموقع الاستراتيجي كان يتمتع بإشراف واسع على معظم هضبة الجولان المحتلة، مما جعله هدفًا حيويًا للمقاومة. نجحت القوات المهاجمة في تطهير المركز من العناصر الإسرائيلية، ثم عادت إلى قواعدها سالمة. في أعقاب هذه العملية، اضطرت إسرائيل إلى الاعتراف بإصابة أربعة من جنودها، وهو ما يعكس قوة الهجوم وفعاليته.
الرد الإسرائيلي العنيف على كفر شوبا:
لم يتأخر الرد الإسرائيلي، ففي اليوم نفسه (11 يناير 1975)، شنت القوات الإسرائيلية هجومًا واسعًا على قرية كفر شوبا الواقعة في جنوب لبنان. جاء هذا الهجوم كعملية انتقامية مباشرة للعملية الفدائية في تل العلم. سبق الهجوم البري قصف مدفعي كثيف استهدف ضواحي القرية، تمهيدًا لتقدم القوات الإسرائيلية.
مقاومة شرسة واستبسال غير متوقع:
عندما بدأت القوات الإسرائيلية في التقدم نحو القرية، اصطدمت بمقاومة عنيفة وغير متوقعة من كمائن قوات المقاومة. استمرت الاشتباكات الضارية من الثامنة مساءً حتى منتصف الليل، حيث أبدت المقاومة بسالة فائقة في الدفاع عن القرية. في النهاية، اضطرت القوات الإسرائيلية إلى الانسحاب بعد فشلها في تحقيق أهدافها الأولية، وذلك بسبب الخسائر التي تكبدتها والمقاومة الشرسة التي واجهتها.
حصار وقصف مستمر: تكتيك إسرائيلي فاشل
لم يتوقف العدوان الإسرائيلي عند الانسحاب الأولي. فقد تابعت إسرائيل القصف على القرية بعد انسحاب قواتها البرية. لم يقتصر الأمر على القصف، بل عمدت القوات الإسرائيلية إلى قطع الكهرباء والمياه ونسف الطرق المؤدية إلى القرية، في محاولة لإحكام الحصار وخنق المقاومة. استمر الحصار مصحوبًا بالقصف حتى 12 يناير 1975.
محاولات دخول متكررة ومقاومة عنيدة:
في اليوم التالي (12 يناير)، حاولت القوات الإسرائيلية دخول القرية مرة أخرى، لكنها اصطدمت مجددًا بمقاومة عنيفة حالت دون تقدمها. تكبدت القوات المهاجمة خسائر كبيرة، مما يؤكد على تصميم المقاومة على الدفاع عن كفر شوبا. استمر القصف المكثف على القرية في 13 يناير، وفي هذه الأثناء، تقدمت القوات الإسرائيلية للمرة الثالثة في محاولة لاختراق الدفاعات. دارت معارك شديدة أسفرت عن ازدياد خسائر إسرائيل.
اقتحام جزئي وثمن باهظ: النهاية غير المحسومة
في 14 يناير، عاودت إسرائيل قصف القرية بشدة، وتمكنت في هذه المرة من دخول جزء منها. ومع ذلك، لم يكن هذا الدخول نصرًا حاسمًا، فقد أبيد قسم كبير من القوات الإسرائيلية داخل القرية بسبب المقاومة الضارية من قبل المقاتلين المتحصنين.
الخسائر الفادحة والانسحاب النهائي:
تجاوزت خسائر إسرائيل في هذه المعركة الشرسة أكثر من 100 قتيل وجريح، بالإضافة إلى تدمير عدد كبير من آلياتها العسكرية. أما على الجانب اللبناني، فقد تسبب القصف الإسرائيلي المكثف في تدمير 250 منزلًا من أصل 350 منزلًا في كفر شوبا، مما يدل على حجم الدمار الذي لحق بالقرية. على الرغم من هذا الدمار الهائل، اضطرت إسرائيل في النهاية إلى الانسحاب من كفر شوبا، لتبقى هذه المعركة شاهدًا على صمود المقاومة في وجه الهجمات الإسرائيلية.
تُظهر معركة كفر شوبا بوضوح شراسة المعارك التي كانت تدور في جنوب لبنان، وتُبرز قدرة المقاومة الفلسطينية على الصمود وإلحاق خسائر فادحة بالجيش الإسرائيلي، حتى في مواجهة التفوق العسكري.