الحركة الوطنية والثورة العراقية الكبرى عام 1920.. قوة العمل الوطني الموحد في تحدي حكومة بريطانيا وتكبيدها الكثير من الخسائر المادية والبشرية



الحركة الوطنية والثورة العراقية الكبرى عام 1920:

لم تستجب بريطانيا للمطالب الشعبية بتقرير المصير، بل سارعت هي وحلفاؤها الى الاجتماع في سان ريمو في إيطاليا في (25 نيسان 1920) ووزعوا الانتدابات، فأنيط انتداب العراق وفلسطين وشرق الأردن لبريطانيا.
وتضمنت لائحة الانتداب على العراق جملة من الأمور:

قانون أساسي ودستور للعراق:

تضع بريطانيا في أقرب وقت، لا يتجاوز ثلاث سنين من تاريخ تنفيذ الانتداب قانون أساسياً للعراق دستوراً يعرض على مجلس العصبة للمصادقة، كما يحق لبريطانيا الاحتفاظ بقوة عسكرية في العراق لأجل الدفاع عنه. وأن تقوم بريطانيا بإدارة علاقات العراق الخارجية كما تتعهد بريطانيا بالمحافظة على وحدة الأراضي العراقية.

معارضة الانتداب:

أذيع نبأ الانتداب على العراق في بغداد في (3 أيار 1920) فأعلن الشعب معارضته له، أدركت الحركة الوطنية هدف السياسة البريطانية في استمرار الحركة البريطانية المباشرة وعدم تنفيذ الوعود التي أعطيت للعرب في الحصول على الاستقلال والوحدة فقامت بتصعيد المقاومة ضد الاحتلال، وتوتر الجو السياسي في العراق وعقد زعماء الحركة الوطنية سلسلة من الاجتماعات السرية وقرروا اتخاذ التدابير لحشد العراقيين.

اندلاع الثورة:

وفي (2 حزيران 1920) حدثت مظاهرة جماهيرية واسعة عندما قابل ممثلوا الحركة الوطنية وكيل الحاكم المكي وطالبوا بإجابة المطاليب الآتية وهي إنشاء مجلس تأسيسي (جمعية وطنية) تضع دستور وتقرر شكل الحاكم وكذلك إطلاق حرية الصحافة.
وقد ردت بريطانيا على هذه المطاليب موضحة شروط وكالة حكومة بريطانيا على العراق وأصبح الوضع لا يعوزه غير الشرارة لإشعال نار الثورة التي أصبحت منتشرة في مناطق العراق المختلفة.

امتداد شرارة الثورة في كل العراق:

وكان اعتقال الشيخ شعلان أبو الجون شيخ قبيلة الظوالم في (30) حزيران في الرميثة أحد الأسباب التي أدت الى اندلاع الثورة إذ هاجم رجاله سراي الحكومة وقتلوا بريطانيين وانقذوا شيخهم فكانت تلك الرصاصات إيذاناً بإعلان الثورة في العراق ضد البريطانيين.
امتدت الثورة بسرعة الى مناطق العراق المختلفة، فأعلنت الثورة في النجف في (2 تموز) ورفع علم الثورة العربية على سراي الحكومة وتمكن الثوار في الرميثة من مقاتلة البريطانيين.

وفي الشامية استطاع الثوار السيطرة على المدينة وتمكن الثوار من إحراز نصر كبير في موقعة الرارنجية (الرسمتية) قرب الكفل يوم (24 تموز) فاضطرت القوات البريطانية الى التقهقر نحو الحلة بعد أن فقدت (318) جندياً، وغنم الثوار (40) رشاشاً ومدفعاً واحداً.
وفي مناطق العراق الأخرى، عمد الثوار في السماوة الى تدمير سكة الحديد لعرقلة إرسال النجدات للقوات البريطانية، كما تمكنوا من إسقاط طائرة تحطمت وقتل قائدها.

وفي الكوفة هاجم الثوار الباخرة البريطانية فابرافلاي. وفي الرمادي اهتز موقف البريطانيين واستطاع الشيخ ضاري ورجاله في (12 آب) من قتل الكولونيل لجمن حاكم لواء الدليم السياسي.
وفي ديالى تمكن الثوار من تعطيل سكة الحديد بين بغداد وخانقين وامتدت الثورة الى كركوك وأربيل والموصل والسليمانية وأصبحت بغداد شبه محاصرة بعد أن وصل الثوار قرب المسيب.

المفاوضات بين بريطانيا والثوار:

خفت حدة المعارك العسكرية بعد فترة قصيرة من وصول السير برسي كوكس واعتبرت الثورة منتهية بعد المفاوضات التي أجرتها بريطانيا مع الثوار في الرميثة آخر معاقل الثورة وتوقيعها الاتفاق معهم في (30 تشرين الثاني 1920) تعهدت فيه بريطانيا أن تكون للعراق حكومة عربية مستقلة وعدم مطالبة الثوار بالخسائر التي لحقت ببريطانيا مع الإعفاء من الضرائب لسنة الثورة على أن يتعهدوا بتوطيد الأمن والنظام في مناطقهم وأن يسلموا الحكومة البريطانية ألفين وأربعمائة بندقية.

ثورة وطنية وقومية:

وفي تقويم الثورة لابد من القول أنها ثورة وطنية وقومية هدفها الحصول على الاستقلال التام وتشكيل دولة عراقية مستقلة، وشاركت فيها جماهير واسعة مثلت مختلف فئات الشعب وكانت لها صحافة عبرت عن أهدافها مثل جريدة الفرات والاستقلال.
وحاول البريطانيون التقليل من شأن الثورة ونظروا إليها على أنها قلاقل واضطرابات قامت بها العشائر ضد السلطة المحتلة متجاهلين الدوافع الحقيقة للثورة.

حرب وطنية من أجل الاستقلال:

وكانت الثورة بالنسبة للعراقيين حرباً وطنية من أجل الاستقلال برهنت على قوة العمل الوطني الموحد في تحدي حكومة بريطانيا وكبدت الأخيرة الكثير من الخسائر المادية والبشرية وقد قدرها الجنرال هالدين الخسائر البشرية بـ(2269) إصابة. أما الخسائر المادية فقد قدرت ب(20 - 40) مليون من الجنيهات الاسترلينية.