إن القواعد التي يتضمنها الدستور هي قواعد يتوافر فيها كل عناصر القاعدة القانونية، وإذا كانت القاعدة القانونية العادية تقبل التعديل والإلغاء، فإن القاعدة الدستورية تقبل ذلك من باب أولى، لأنها تقوم بوضع القواعد الأساسية المتعلقة بالتنظيم السياسي للدولة وفقاً لظروفها وأوضاعها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية السائدة في وقت صدورها.
ومما لاشك فيه أن هذه الظروف أو تلك الأوضاع تتطور وتتبدل من وقتٍ إلى آخر، مما يستتبع عدم تجميد القواعد أو النصوص الدستورية تجميداً أبدياً، وإمكان تعديلها بصفةٍ دائمةٍ حتى تتلاءم مع التغيرات التي تطرأ على المجتمع.
وهكذا، فإن تعديل القواعد الدستورية يعدّ وسيلةً من وسائل إيجاد التلاؤم بين ظروف الدولة والنصوص الدستورية التي تحكمها، وسدّ الفجوة التي تظهر بين التنظيم القانوني القائم والواقع الفعلي.
غير أنَّ طريقة أو كيفية تعديل القواعد الدستورية ليست واحدة في كل الدساتير، إذ يجب أن نميز في هذا المجال بين نوعين من الدساتير: الدساتير المرنة والدساتير الجامدة، وقد ذكرنا سابقاً أن مناط التمييز بين هذين النوعَيْن من الدساتير ليس مردّه الاختلاف في موضوع أو محتوى كل منهما، وإنما الاختلاف في آلية (أي طريقة وإجراءات) تعديل كل منهما.
فالدساتير الجامدة تحوطها جملة ضماناتٍ شكليةٍ تتعلق بإجراءات تعديلها وإلغائها وبالسلطة المختصة بهذا التعديل أو الإلغاء، مما يحصّنها في مواجهة السلطة التشريعية (فلا يكون من حق هذه الأخيرة الاعتداء عليها سواء بالتعديل أو بالإلغاء)، ويؤكِّد سموَّها في مواجهة القوانين العادية (فلا يجوز لهذه الأخيرة أن تخالِف القواعد أو الأحكام الواردة في وثيقة الدستور باعتبارها تستوي على القمة من البناء القانوني للدولة)، وهو ما لا يتحقق للدساتير المرنة حيث يمكن تعديل أحكامها وقواعدها بالطريق التشريعي، أي بواسطة السلطة التي تسنّ القوانين العادية ذاتها (وهي السلطة التشريعية)، وبإتباع نفس الإجراءات والشروط والأشكال المقررة لتعديل هذه القوانين. وبالتالي فلا يوجد ثمة فارق من الناحية القانونية بينها (أي الدساتير المرنة) وبين القوانين العادية في هذا الصدد.
وأمام ذلك، فإن بحثنا لتعديل القواعد الدستورية سيقتصر على تعديل الدساتير الجامدة فقط، ما دامت هي وحدها التي تتطلب لإمكان التعديل توافر إجراءات خاصة تكون أكثر شدة وتعقيداً من الإجراءات المقررة لتعديل القوانين العادية.
ولدراسة كيفية تعديل الدساتير الجامدة يتعين علينا أن نحدِّد السلطة أو الجهة المختصة بتعديل الدستور من ناحية، و إجراءات أو مراحل التعديل من ناحية أخرى، وأخيراً النطاق الذي يتم فيه التعديل.
التسميات
قانون دستوري