تطبيق ضوابط عقد التأمين.. إذا كان التأمين تابعاً في العقد غير مقصود أصالة فيه. إذا كان التأمين تقتضيه الحاجة. إذا كان التأمين تعاونياً

إن التأمين التجاري محرم لما فيه من الغرر، وذلك فيما عدا التأمين على الحياة.
وعلى ذلك فمتى اختل شرط من شروط الغرر المؤثر فإن التأمين يكون جائزاً.

ذلك أن الناظر في عقود الغرر التي جاءت الشريعة بإبطالها كحبل الحبلة وبيع الحصاة وبيع الملامسة والمنابذة ونحوها يدرك أن الغرر المحرم ما كان على سبيل اللعب والمقامرة حيث لا يثمر عائداً للبلد ولا يحقق مصلحة للفرد ولا للمجتمع، وليس ثمة حاجة تدعو إليه، بخلاف العقود التي لابد للناس منها وقد تنطوي على شيء من الغرر فليس من مبادئ الشريعة تحريم مثل ذلك.

وعلى ذلك فيمكن القول: إن الأصل في التأمين هو التحريم، ولا يجوز إلزام االناس بنظام تأميني قائم على المعاوضة الربحية بين المؤمن والمؤمن له، وأما الدخول في عقد التأمين بالنسبة للأفراد فيجوز في الحالات الآتية:

الحال الأولى: إذا كان التأمين تابعاً في العقد غير مقصود أصالة فيه:
فإذا وقع العقد على شيء وجاء التأمين تبعاً لذلك فيغتفر وجوده في ذلك العقد، ولا حرج على المسلم من الدخول فيه، ولهذه الحال أمثلة متعددة، فمن ذلك:

1- التأمين الذي تقدمه الشركات لموظفيها على أنه مزية من المزايا التي تعطيها للموظفين. فهذا التأمين جزء من مستحقات متعددة للموظف ولم يقع عقد الإجارة (الوظيفة) عليه أصالة.

2- التأمين على السلع عند شرائها -كالسيارات والأجهزة الكهربائية-، سواء أفرد بمبلغ مستقل عن قيمة السلعة أو لم يفرد، بشرط أن يكون التأمين في صفقة واحدة مع شرائه للجهاز.

3- التأمين على السيارة المستأجرة إذا أمن المستأجر على السيارة في عقد الإجارة نفسه، ولو زادة قيمة الأجرة بسبب التأمين.

4- التأمين على البضائع عند شحنها إذا كانت الشركة الناقلة تقدم خدمة التأمين مع عقد الشحن نفسه.
ففي جميع ذلك يجوز الدخول في التأمين، وأخذ العوض عند استحقاقه.

وقد يرد على هذه الأمثلة اعتراضان:
- الأول: أن الغرر المغتفر هو التابع الذي لا يمكن فصله عن أصله كما في الثمرة على النخل، أما هنا فالتأمين يمكن فصله عن أصله فلا يعد تابعاً.

والجواب: أنه لا يلزم أن يكون التابع مرتبطاً بأصله لا ينفك عنه، بدليل قوله عليه الصلاة والسلام في حديث ابن عمر السابق: {من ابتاع نخلا بعد أن تؤبر، فثمرتها للبائع، إلا أن يشترط المبتاع} إذ الأصل فصل الثمرة عن النخلة بدون شرط، ومع ذلك جاز بيعها تبعاً لأصلها بالشرط.وهذا يدل على أنه لو اشترط المشتري تأمين السلعة على البائع فهو شرط صحيح إذا كان هذا الشرط مقترناً بالعقد.

- والثاني: أن التأمين في الأمثلة المذكورة له وقع في الثمن بخلاف الحمل في البطن والثمرة في النخل ونحو ذلك مما يذكره الفقهاء من صور الغرر المغتفر فإن التابع ليس له ثمن.

والجواب: بعدم التسليم بأن التابع في الأمثلة التي يذكرها الفقهاء ليس له ثمن، بل إن له تأثيراً في قيمة أصله فالناقة الحامل بلا شك أغلى ثمناً من غيرها، ولهذا كان تغليظ الدية في القتل العمد بإيجاب أربعين خلفة –أي ناقة حاملاً– على الجاني.

وفي بيع النخل بثمره للمشتري أن يشترط الثمرة أو لا يشترط، ولا شك أن الثمن يختلف بوجود هذا الشرط من عدمه.

- والثالث: أن التأمين بذاته محرم بخلاف الحمل والثمرة واللبن ونحوها فإنها مباحة في ذاتها.

والجواب: أنه لا فرق بين التأمين وهذه الأشياء المذكورة في هذا الجانب، فالكل إذا أفرد بالعقد صار بيعه محرماً.

الحال الثانية: إذا كان التأمين تقتضيه الحاجة:
ويقصد بالحاجة أن يلحق الإنسان حرج ومشقة إذا لم يؤمن، ولا يلزم أن يصل إلى مرحلة الضرورة، بل يكفي وجود الحاجة لاستباحة هذا العقد، كماتقدم.

ويشترط لهذه الحال أن تتحقق شروط الحاجة من حيث كونها حقيقية لا موهومة ، وأن تقدر بقدرها، وألا يوجد عقد آخر مباح تندفع به الحاجة.

وتختلف الحاجة باختلاف الأحوال والأشخاص والأمكنة والأزمنة، فما يحتاجه صاحب المركبة العامة غير ما يحتاجه صاحب المركبة الخاصة ، والحاجة إلى تأمين المسكن في البلاد التي تكثر فيها الكوارث يختلف عن البلاد التي يندر فيها ذلك.

ومن الأمثلة التي تدخل في هذه الحال:
1- التأمين الطبي في البلاد التي تكون تكلفة العلاج فيها باهظة، ولا يتحملها المقيم بدون تأمين.

2- تأمين المركبة إذا كان نظام البلد الذي يقيم فيه الشخص يلزم بذلك، ويجب أن يقتصر في ذلك على الحد الذي تندفع به الحاجة، وهو الحد الأدنى الذي يلزم به نظام البلد.

3- تأمين المساكن والمراكز الإسلامية ضد الحوادث والسرقات والحريق إذا كانت الحاجة تقتضي مثل ذلك.

4- التأمين للأعطال الطارئة على الطرق العامة عن طريق شركات المساعدة كشركة (AAA)، لاسيما أن هذه الشركة تقدم خدمات أخرى غير التأمين كالخرائط الإرشادية وتقديم المشورة عبر الهاتف وغيرذلك.

الحال الثالثة: إذا كان التأمين تعاونياً:
لأن الغرر الذي في العقد مغتفر لكونه من عقود التبرعات، والتأمين التعاوني يختلف في أهدافه وآثاره عن التأمين التجاري، فالتعاوني يهدف إلى تحقيق التكافل والتعاون فيما بين المستأمنين.

وهو بهذا يحقق مقصداً من مقاصد الشريعة الإسلامية بخلاف التامين التجاري فإن الهدف منه الاسترباح والمعاوضة فلذا كان محرماً.

ومن صور التأمين التعاوني المعاصرة:
1- التأمين الاجتماعي الذي تقدمه الحكومات والهيئات العامة للمواطنين.
2- البرامج التقاعدية والادخارية التي تستثمر فيها الأموال المدخرة في وسائل استثمارية مباحة.
3- التأمين الطبي الذي ترعاه الدولة وتتقاضى رسوماً ربما تكون في كثير من الأحيان رمزية.
4- الجمعيات التعاونية والتأمين المعمول به في النقابات المهنية ونحوها.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال