أصول التربية.. جذور النظريات التربوية التي تصدر عنها ومنابعها التي تنبثق منها والتي حولت التربية من عملية فردية إلي عملية اجتماعية ثقافية



ظهرت التربية مع ظهور الإنسان علي وجه الأرض وشعوره بكيانه باعتباره فردا في جماعة من الجماعات كالأسرة أو القبيلة، وبدأت في وسط مليء بالكائنات الحية المختلفة وكان لابد له من الدخول في تنافس مع مختلف هذه الكائنات من أجل أن يحافظ على بقاء حياته واستمرارها مستغلا قواه الجسدية للتغلب علي كل ما يواجهه من مشكلات.

وقد أدرك أنه متميز عن باقي المخلوقات الحية وأنه متفوق عليها وأن عليه أن يستغل هذا التميز والتفوق بعقله لتحسين ظروف حياته.

وكان أول شيء سخر له عقله وأفكاره هو القدرة علي ملاحظة الظواهر الطبيعية المحيطة به للعمل علي الإفادة منها في حياته وبذلك بدأت تتكون لديه المعارف والمعلومات والخبرات المختلفة التي أخذت توفر له مع مرور الزمن كيفيات جديدة.

ومن هذا المنطلق يمكن القول أن تفاعل الإنسان كان مستمرا مع بيئته التي أصبحت مدرسته الأولى إذ كان ينهل منها المعرفة ويتعلم مهامه ويمارسها.

وهذا التفاعل المستمر بينه وبين بيئته هو ما نسميه "التربية التي هي الحياة نفسها" ولذا تتسم التربية بأنها عملية إنسانية تختص بالإنسان وحده دون سائر المخلوقات لما ميزه الله بالعقل والذكاء والقدرة علي إدراك العلاقات واستخلاص النتائج وتأويلها فالفرد يمكنه أن يتعلم وينقل ويضيف ويحذف ويغير ويصحح فيما يتعلمه.

وإن التربية عملية اجتماعية تختلف من مجتمع لأخر وذلك حسب طبيعة المجتمع والقوى الثقافية المؤثرة فيه بالإضافة إلي القيم الروحية كما أنها تعني التنمية ولهذا تجد أن التربية لا تمارس في فراغ بل تطبق علي حقائق في مجتمع معين حيث تبدأ مع بداية حياة الإنسان في هذا المجتمع.

ومن ثم فإن أي تربية تعبر عن وجهه اجتماعية لأنها تعني اختيار أنماط معينة في الأنظمة الاجتماعية والخلق والخبرة.

ومعنى هذا أن محور الدراسة في التربية هو المجتمع فمنه نشتق أهدافه وحول ظروف الحياة فيه تدور مناهجها ولهذا نجد أن المجتمع هو الذي يحتوي التربية في داخله.

ويمكن القول أن التربية تستند إلي أصول مستمدة من العلوم التي تفيد في فهم جوانبها المختلفة مثل علم النفس وعلم الاجتماع والتاريخ وعلم السياسة وعلم الاقتصاد والفلسفة وعلم الحياة.

فالتربية لها أصولها الاجتماعية والثقافية المستمدة من علم الاجتماع وعلم الانثروبولوجيا وهي الأصول التي حولت التربية من عملية فردية إلي عملية اجتماعية ثقافية ذلك أن المدخل إلى فهم التربية ينبغي أن يقوم علي الدراسة العضوية بين الفرد وبيئته التي تعني غيره من الأفراد وما يعيشون فيه من أنظمة وعلاقات وقيم وتقاليد ومفاهيم .

بحكم مولده في المجتمع إلي مواطن بالفعل يفهم دوره الاجتماعي ومسئولياته وسط الجماعة التي ينتمي إليها وهي تحدث بطريقة مباشرة فهي تحدث في المدرسة وفي المنزل وفي غيرهم من المنظمات والمؤسسات.

وهذه (التربية) وسيلة لاستمرار الثقافة مهما كان الطابع العام لهذه الثقافة ودرجة تطورها حيث أن الثقافة لا تولد مع الأفراد ولا تنتقل إليهم بيولوجيا كما هو الحال بالنسبة للون الشعر أو البشرة وإنما يكتسبونها بالتعلم والتدريب والممارسة في دوائر الحياة الاجتماعية التي يعيشون منذ مولدهم.

ما دامت أصول التربية تعني جذور النظريات التربوية التي تصدر عنها ومنابعها التي تنبثق منها وما دامت هذه الجذور متعددة ومتنوعة بتعدد صلات التربية لكثير من النظم الاجتماعية وبتعدد العلوم التي تعتمد عليها كان ولابد وأن تتعدد هذه الأصول وتتنوع وتختلف ذلك لأن هذه المنابع أو الجذور يمكن إرجاعها إلي أفكار فلسفية أو أوضاع اقتصادية أو اجتماعية أو أحداث تاريخية أو تغيرات ثقافية.

ومن ثم يمكن الحديث عن أصول فلسفية للتربية وأصول اقتصادية وأصول اجتماعية وأصول تاريخية وثقافية وإدارية وسياسية ونفسية وغيرها كما وأنها تختلف في محتواها ومضمونها باختلاف المجتمعات وباختلاف الحقب والعصور الزمنية فهي متغيرة ومتطورة بتغير الزمان والمكان.


المواضيع الأكثر قراءة