أصداء الحب في الأندلس: تحليل دلالي لقصيدة "إني ذكرتك بالزهراء" وكشف عن طبقاتها المعنوية تحليل وخصائص اللغة الشعرية في قصيدة ابن زيدون

دراسة وشرح وتحليل قصيدة إني ذكرتك بالزهراء لابن زيدون:

إني ذكـرتك بالزهـراء مشتـاقا
والأفـق طلـق ومـرأى الأرض قـد راقا
وللنسيـم اعتـلال فـي أصائله
كـأنه رق لـي فــاعتــل إشفــاقـــا
والروض عن مائه الفضي مبتسم
كمـا شققـت عن اللبـــات أطواقــا
نلهو بما يستميل العين من زهـر
جـال الندى فيــه حتى مـال أعنــاقا
كــأن أعينـه إذ عــاينت أرقــى
بكـت لمــا بـي فحــال الدمـع رقراقا
ورد تـألق في ضاحي منابتـــه
فازداد منــه الضحى في العين اشراقا
سـرى ينافحـه نيلوفــر عبــق
وسنــان نـبــه منـــه الصــبـح أحداقا
كل يهيج لنا ذكرى تشوقنــــا
أليـك لـم يعد عنها الصــدر إن ضاقا
لا سكن الله قلبا عق ذكركــــم
فلـم يطــــر بجنــاح الشـــــوق خفاقا
لو شاء حملي نسيم الصبح حين سرى
وافـــاكم بفتى أضناه ما لاقى

- نبذة عن الشاعر: 

ابن زيدون هو: الوليد أحمد بن عبد الله بن زيدون، ولد بقرطبة وكان ميالا للعلم والأدب فنشأه أبوه عليهما وأخذ ابن زيدون يتزود منهما ويعنى باللغة والدب عناية أشد حتى صار من أعظم شعراء قرطبة.
وقد انقسم شعره في حياته إلى ثلاث مراحل:
  • المرحلة الأولى: عبارة عن مقطوعات قصيرة في القالب.
  • المرحلة الثانية: وتتضمن الشعر الذي اشتكى الشاعر فيه الهجر والحرمان وقدم فيه الأعذار المختلفة طامعا في العودة إلى ولادة.
  • المرحلة الثالثة: فيها شعر أنشأه بعد اقتناعه بالقطيعة ففيه نجد ذكرياته وأصداء حبه القديم ومشاعره التي لم تخب نحوها.
والصفة المميزة له ذلك الطابع الحزين الذي يغلب على الرجاء والأمل.
وتعد هذه القصيدة ضمن المرحلة الثانية من شعره حيث نجد الشاعر في هذه القصيدة قد تعاطف مع الطبيعة وبثها أحزانه وجعلها تشاركة فيما ينتابه، فكان له فيها تخفيف مابه وتعبير عن أشواقه إلى الذكريات الماضية، والشاعر في هذا النص وان كان قد مال إلى شيء من وصف الطبيعة فإنما غرضه الأصلي هو الحديث عن ولادة في المقام الأول.

المعجــم والدلالــة:

  • طلق: بهي جميل، راقا: أعجب الناظر وسره. والألف للروي.
  • اعتلال: مرض، أصائل: الوقت بين العصر والمغرب وجمعها آصال، وأصائل، وأصل، وأصلان والمفرد: اصيل.
  • الإشفاق: من الرأفة والرحمة.
  • الروض: مفردها الروضه وهي أرض مخضرة بأنواع النبات وتجمع على روض ورياض، وروضان، وريضان.
  • مبتسم: متفتح يشبه طوق الثوب عند فتحة العنق أعلى الصدر.
  • اللبات: جمع مفردها "لبة" وهي موضع القلادة من الصدر.
  • أطواق: جمع مفردها "طوق" وهي ما يحيط بالعنق من الثوب.
  • يستميل: يجذب النظر إليه.
  • جال الندى فيه: امتلأ منه فمال عنقه.
  • أرقي: سهري.
  • بكت: انهمر منها الماء فكأنه دمع يترقرق.
  • الرقاق: متلألأ لامع.
  • تألق: لمع، ضاحي منابته: ظاهر وبارز المنبت للشمس.
  • ينافحه: يرسل نفحته العطرية.
  • نيلوفر: ضرب من الرياحين ينبت في المياه الراكدة ويورق على سطحها وله زهر يتفتح في النهار وينام في الليل.
  • عبق: منتشر الرائحة، وسنان: من الوسن وهو أول النوم ، ويقصد نعسان، ونعس، نبه: أيقظ .
  • أحداق: مفردها الحدقة وهي سواد العين الأعظم ، جمعه حدق ، وحدقات، وأحداق، وحداق.
  • يهجج: يثير، لم يعد: لم يجاوز.
  • عقٌ: لم يبٌر واستخف.
  • خفاقا: متحرك.
  • سرى: ذهب ليلا.
  • أضناه: أتعبه.

الأفكـار: 

  • مشـاركـة الطـبـيـعـة للشـاعـر فـي ذكـريـاتـه. (1 - 4).
  • وصف الشاعر لطبيعة مدينة الزهراء الجميلة. (5 - 8).
  • معانــاة الشــاعـر النـفـسـيـة وأمـنـيـاتــه. (9 - 12).
  • تذكـيـر ووعد بـالـبقــاء عـلـى الـعـهـد. (13 - 15).

الشـرح والتـحليـل:

  • (1 - 4): يبدأ الشاعر أبياته بمناجاة حبيبته فيؤكد لها حبه واشتياقه فيقول لها لقد تذكرتك في مدينة الزهراء الجميلة فازددت شوقا إليك ولقد كانت الطبيعة باسمة فالسماء صافية ووجه الأرض ضاحك فراقه ذلك المنظر الجميل فهيٌج مشاعره وتذكره لها. ثم يجسد الطبيعة إنسانا يشاركه ذكرياته الحلوة فالنسيم مقبلا وقت الأصيل لعلته والرياض تبتسم وقد جرت مياهها ممتدة بيضاء كجمال بياض عنقك عندما تتفتح عنه الثوب، وهذا بجماله هيٌج ذكرى قد ولت وذهبت ألا وهي ذكريات الأيام الجميلة بما فيها من لذة ومتعة بتنا لها نسترق ونختلس لحظاتها الجميلة حتى لا يرانا عاذل أو حاسد.

  • (5 - 8): كنا نعبث ونلعب بما يجذب العين من أزهار ونبات قد أثقلها الندى فمالت غصونها وسقطت قطرات الندى فكأنها دموع انهمرت متلألئة لامعه متأثرة لحالي وسهري وهنا تجسيد للزهر بإنسان يشارك الشاعر أحزانه وذكرياته، ويواصل حديثه عن جمال الطبيعة في مدينة الزهراء مصورا ورودها في تألقها وبروزها وقت الضحى بما يزيد الضحى إشراقا وجمالا ولمعانا للناظر إليه وفي جانب آخر هناك من ينافس ويغالب هذه الورود في جمالها وروائحها العطرية الطيبة وهو نبات النيلوفر وقد أيقظه الصبح عند إشراقه فتفتحت زهوره وانتشر عبقه وأريه فكأنه إنسان نعسان قد أيقظه الصباح ففتح عينيه.

  • (9 - 12): كل ما يراه الشاعر من حوله يهيج ذكرياته وأشواقه مما ولد في صدره الشعور بالضيق والألم، ويدعو الشاعر على قلبه بعدم الراحة والسكينة إذا هو نسى ولا يبٌر لذكرى حبيبته ولم يخفق ويطر شوقا إليها، ويتمنى الشاعر لو استطاع نسيم الصباح حمله حينما يسري لوجدتم أمامكم شخصا أتعبه الشوق والحب فسترون ما صنعت به الأيام والذكريات. كذلك يتمنى الشاعر لو تفي الأيام والأمنيات بوعودها فتجمعه بمن يحب فتكون من أكرم وأفضل الأيام.

  • (13 - 15): يخاطب الشاعر في نهاية الأبيات محبوبته التي ملكت عليه قلبه وعقله لخطر شأنها ونفاسة قيمتها ورفعة وعلو منزلتها ومكانتها مصورا إياها بشيء نفيس غالي قد اقتناه الشاعر عندما يقتني الناس الأشياء المادية الثمينة، وما يلبث الشاعر أن يعود إلى ذكرياته وأمانيه مرة أخرى حيث ذلك العهد الذي كان يستبقا فيه الود والسرور بمثابة ميدان يجريان فيه بحرية ودون قيود، وفي النهاية يحمد الشاعر عهدا سلف ويُبدي على حاضره قلقا وأسفا أيٌ ُ أسف لأنه يشهد سلوها ونسيانها بينما هو باق على وله وعشقه.

الجمـاليـات:

1- إني ذكرتك: يؤكد تذكره وشوقه لحبيبته.

  • الأفق طلق: استعارة مكنية حيث شبه الأفق بإنسان باسم طلق الوجه.

2- للنسيم اعتلال: استعارة مكنية.

  • حيث شبه النسيم بإنسان عليل مريض.
  • كأنه رق: استعارة مكنيه حيث شبه النسيم بإنسان رقٌ وأشفق على الشاعر.
  • اعتلال واعتل: جناس ناقص.

3- الروض مبتسم: استعارة مكنية.

  • صور الروض بإنسان مبتسم.
  • والبيت بأكمله فيه تشبيه تمثيلي. حيث شبه حالة الماء وهو يجري متلألأ بين الرياض الخضراء بحالة فتاة جميلة قد شقت عن صدرها فبان جمالها وبياضها.

4- يوم كأيام الذات: تشبيه.

  • شبه يوم تذكره واشتياقه في مدينة الزهراء بالأيام الماضية مع حبيبته.
  • نام الدهر: استعارة مكنية، شبه الدهر بإنسان ينام.
  • سراقا: صيغة مبالغة على وزن "فعال" كناية عن كثرة الأيام التي كانا يختلسانها.
  • بتنا سراقا: تشبيه. حيث شبهوا أنفسهم بالسراق في كثرة اختلاسهم للأوقات معا.

5- نلهو من الزهر: صور الأزهار بلعب يلهون بها ويعبثون.

  • مال أعناق: استعارة مكنية. شبه الأزهار بإنسان له عنق قد مال من نقل ما يحمل.
  • وفي البيت بأكمله "تشبيه ضمني" حيث شبه الأزهار وقد أثقلها الندى فمالت أغصانها بحالة إنسان قد أثقله الحمل فمال عنقه. وقد ضمن ذلك ولم يصرح به.

6- البيت السادس فيه تشبيه تمثيلي:

  • شبه حالة تساقط الندى في الصباح من الأزهار بحالة إنسان قد رقٌ لحالة غيره وتأثر بها فسالت دموعه .

7- وردُ ُ تألق: كناية عن شدة وضوحه وتألقه.

ضاحي ....> الضحى ــــــ> جناس ناقص.

8- ينافحه نيلوفر: استعارة مكنية.

  • شبه نبات النيلوفر بإنسان يسابق ويغالب غيره.
  • نيلوفر وسنان: استعارة مكنية. شبه هذا النبات بإنسان به نفاس.
  • نبه الصبح: استعارة مكنية. شبه الصبح بإنسان ينبه ويوقظ غيره.

9- لا سكن الله: أسلوب دعاء.

  • قلبا عقٌ: استعارة مكنية. شبه القلب بإنسان عاق.
  • بجناح الشوق: استعارة مكنية. صور الشوق طائر له جناح.

10- حملى نسيم الصبح: استعارة مكنية.

  • شبه النسيم بإنسان يحمل الشاعر.

التعليق العام على القصيـدة:

  • تسيطر على الشاعر عاطفة صادقه قوية فهي تجربة نفسية وحالة وجدانية متكاملة حققت معالم جديدة.
  • فقد كان من أجمل ما وفق إلية الشاعر أنه استطاع بتلقائية شاعرة وحضور عاطفي عجيب أن يشخص مظاهر الطبيعة ويخلع عليها الحياة وينفث فيها الإحساس ويلبسها الشعور فجعلها بشرا يتفاعلون مع ابن زيدون فيشاطرونه مشاعره وأحاسيسه.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال