العلاقات البريطانية الفرنسية بعد الحرب العالمية الأولى: أزمة التنافس ومؤتمر سان ريمو
شهدت العلاقات بين بريطانيا وفرنسا، القوتين الاستعماريتين البارزتين، أزمة حادة فور انتهاء الحرب العالمية الأولى في عام 1918. على الرغم من كونهما حليفين رئيسيين في مواجهة القوى المركزية، إلا أن النصر كشف عن تضارب المصالح وتنافسهما الشديد على تقاسم غنائم الحرب، خاصة فيما يتعلق بـتحديد حدود مناطق نفوذ كل منهما في الشرق الأوسط. هذا التنافس المحتدم ألقى بظلاله على المشهد السياسي ما بعد الحرب، ومهد الطريق لتطورات مهمة في المنطقة.
تصاعد التوترات في المشرق العربي:
جاءت الأزمة في العلاقات الأنجلو-فرنسية متزامنة مع تصاعد التوترات في المنطقة العربية نفسها:
1. تأزم العلاقات الفرنسية مع القوميين في سوريا:
2. ازدياد مطالبة العرب بالاستقلال:
- في العراق: اندلعت ثورة العشرين الكبرى (1920) ضد الوجود البريطاني، معبرة عن رفض قاطع للانتداب والمطالبة بالاستقلال.
- في مصر: تصاعدت الثورة المصرية (1919) بقيادة سعد زغلول وحزب الوفد، مطالبة بإنهاء الحماية البريطانية ونيل الاستقلال التام.
هذه التطورات المتسارعة، سواء على صعيد التنافس الاستعماري بين الحليفين أو على صعيد الحركات القومية المتصاعدة، خلقت وضعًا معقدًا وغير مستقر في الشرق الأوسط.
مؤتمر سان ريمو 1920: إعادة صياغة للسيطرة الاستعمارية
أمام هذا الوضع المتأزم، رأت القوى الكبرى المنتصرة في الحرب، وهي فرنسا، بريطانيا، وإيطاليا، ضرورة قصوى لعقد مؤتمر لتسوية هذه الخلافات والنزاعات بينها. كان الهدف الأساسي هو إعادة تنظيم خارطة النفوذ في الشرق الأوسط وتثبيت مكاسبها الاستعمارية.
لتحقيق هذا الهدف، عُقد اجتماع في مدينة سان ريمو بإيطاليا عام 1920م. لم يكن هذا المؤتمر مجرد لقاء دبلوماسي، بل كان محطة حاسمة في تشكيل مستقبل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث تم فيه إضفاء الشرعية على تقسيم جديد للمنطقة.
كانت قرارات سان ريمو في جوهرها عبارة عن إدخال بعض التعديلات على ما ورد في بنود اتفاقية سايكس-بيكو التي أبرمت سراً في عام 1916. هذه التعديلات لم تلغِ الاتفاقية الأصلية، بل قامت بتكييفها لتناسب المستجدات على الأرض والمصالح المتغيرة للقوى المنتصرة بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى في عام 1918.
أبرز قرارات مؤتمر سان ريمو كانت:
- تثبيت الانتداب البريطاني على فلسطين وشرق الأردن والعراق: منحت عصبة الأمم لبريطانيا حق الانتداب على هذه المناطق. هذا القرار كان له تداعيات خطيرة، خاصة فيما يتعلق بفلسطين، حيث تضمن المؤتمر وعد بلفور (الصادر عام 1917) كجزء من وثيقة الانتداب، مما مهد الطريق لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.
- تثبيت الانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان: حصلت فرنسا رسميًا على حق الانتداب على سوريا ولبنان، وهو ما عزز سيطرتها على المشرق العربي بعد إزالة المملكة العربية السورية.