أسبقية علم الجغرافيا بالاهتمام بالبيئة.. الاهتمام بالإيكولوجيا ضمن الإطار الجغرافي والتركيز على العلاقة بين الإنسان والبيئة



أسبقية علم الجغرافيا بالاهتمام بالبيئة:

إن البيئة لم تكن في حالة ثبات في أي يوم من الأيام، وهي لم تخل ولن تخلو من التغير، والله أعلم، لأن التغير الذي تتعرض له الظواهر الطبيعية جزء لا يتجزأ من آلية عمل وحركية النظم البيئية، والدراسات الجغرافية ساعدت عبر الزمن، وإلى حد كبير في الكشف عن هذه التغيرات وعن الأماكن والفترات التي حدثت فيها.

والعلاقة بين الجغرافية والبيئة قديمة قدم الجغرافية نفسها، وكان الجغرافيون الإغريق إذا لمسوا بعض المفارقات الاجتماعية أو استعصى عليهم تفسير ظاهرة بشرية ما أرجعوا سبب ذلك إلى ظروف البيئة الجغرافية.

علماء الإغريق الذين أسهموا في إثراء الفكر البيئي:

ولذلك يمكن القول أن الإغريق ظهر من بينهم أوائل البيئيين (Environmentalists)، ومن علماء الإغريق (اليونان القدماء) الذين أسهموا في إثراء الفكر البيئي، وتقديم معلومات مهمة عن البيئة ومكوناتها نذكر:

1- طاليس Tales:

(640- 546 ق. م)، الذي تحدث عن وجود الماء بثلاثة أشكال، أو حالات (السائلة، والصلبة، والغازية)، وأن الماء هو أصل الحياة، وأشار إلى أن معرفة المناخ تتيح إنتاج زيتون جيد.

2- انكسماندر Anaximandar:

(611 - 547) وهو من أبرز تلاميذ طاليس، وقد وضع خريطة للعالم وضح عليها البحار والأنهار المعروفة آنذاك.

3- هيبوقراط (420 ق. م).
4- أفلاطون (427 - 347 ق. م).


5- أرسطو:

(384 - 322 ق. م)، الذي تحدث عن حركة التوازن العام للمياه وفي الطبيعة، وتحدث عن الإنسان وبيئته السياسية.

أضف إلى ذلك ما قدمه الجغرافيون الرومان في هذا المجال، وكان بعض شعوب الرومان كالغاليين يقدسون المظاهر الطبيعية، ويقدمون العبادة للجبال والحجارة العجائبية المؤلهة، والينابيع المقدسة، والأشجار المباركة، والحيوانات المقدسة.

ومن أهم الجغرافيين الرومان الذين اهتموا بالبيئة:

1- سترابون Strabo:

وهو جغرافي يوناني الأصل من العصر الروماني، ويوصف بأنه أبو الجغرافية، ودون أعماله الجغرافية في سبعة عشر مجلداً.

2- بليني Pliny:

الذي حاول كتابة دائرة معارف عن الطبيعة، فيها أربعة كتب في الجغرافيا.

3- بطليموس Ptolemy:

الذي حاول وضع أسس علمية للجغرافية، وغيرهم الكثير من العلماء الذين قدموا معلومات مهمة عن البيئات الطبيعية وخصائصها وميزاتها، وما فيها من معالم حية وغير حية.
 

 الجغرافيون العرب والمسلمون المهتمون بدراسة البيئة:

وقد أولى الكثير من أعلام الجغرافيين العرب والمسلمين اهتماماً كبيراً بالبيئة ودراسة مكوناتها، وعناصرها، وعلاقة الإنسان بها خاصة في العصور الوسطى، ويمكن أن نذكر منهم وبشكل سريع:

1- الكلبي:

الذي ألف كتباً كثيرة فيها وصف للبيئات المختلفة ومنها الأقاليم، البلدان الكبير، البلدان الصغير، الأنهار.

2- الخوارزمي:

المشهور بكتابه صورة الأرض، وفيه وصف للأقاليم والمعالم الجغرافية.

3- الكندي:

ومؤلفه رسم المعمور في الأرض، ورسالته في المد والجزر.

4- ابن خرداذبة:

وكتابه المسالك والممالك.

5- اليعقوبي:

وكتابه البلدان، وفيه دراسات ميدانية اعتمدت على ملاحظاته الشخصية عن الظاهرات البيئية في مناطق واسعة من العالم.

6- ابن حوقل:

وكتابه المسالك والممالك، الذي ضمنه الكثير من الحقائق البيئية التي عرفها وشاهدها.

7- الاصطخري:

وكتابه المسالك والممالك، وما فيه من وصف للأرض المعمورة، ولليابس والماء، والسكان وأنشطتهم المختلفة.

8- المسعودي:

وكتابه التنبيه والإشراف، الذي ضمنه معلومات مهمة عن الأمم وعاداتها، وتأثير المواقع والشمس والرياح وفصول السنة، في السكان وصورهم وألوانهم وأخلاقهم.

9- المقدسي:

وكتابه أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، وفيه الكثير من الحقائق التي أصبحت معروفة اليوم مثل كروية الأرض، وخط الاستواء الذي يقسمها إلى قسمين، وأن معظم اليابس في النصف الشمالي، ومعظم الماء في النصف الجنوبي.

10- الإدريسي:

وكتبه نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، وأقاليم العالم، وعالج فيها الكثير من المعلومات الجغرافية البيئية المهمة.

11- الزمخشري:

وكتابه الجبال والأماكن والمياه، الذي يعد  معجماً جغرافياً.

12- ياقوت الحموي:

وكتابه معجم البلدان وما فيه من الحقائق الجغرافية البيئية عن الأرض والأقاليم.

13- القزويني:

وكتابه عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات، الذي يضم وصفاً لمختلف البيئات، وأنواع الحيوانات والنباتات التي يمكنها العيش فيها.

14- الدميري:

وكتابه حياة الحيوان الكبرى، وما فيه من ذكر لأسماء الطيور والحيوانات في البر والبحر، كما أنه درس بيئة الحيوان وطباعه وغذاءه بطريقة علمية تجريبية اعتمدت على التجربة والملاحظة.

15- ابن بطوطة:

ومؤلفه تحفة الأنظار وفيه شرح ووصف لبيئات عديدة من العالم.

16- ابن خلدون:

في مقدمته أو في كتابه "العبر وديوان المبتدأ والخبر" حيث يعد أول من كتب عن التكيف البيئي بين الإنسان والبيئة، وميز بين مجموعتين من العوامل المؤثرة في حياة الإنسان وهما مجموعة العوامل الطبيعية، ومجموعة العوامل الحضارية والتاريخية.

ويؤكد ما ذكرناه وغيره الكثير مما لم يتسنى لنا ذكره عن اهتمام العرب والمسلمين منذ القدم بالبيئة المحيطة بالإنسان، وبالآثار المتبادلة بينهما، وبشكل عام فقد حظي موضوع  تغير شكل الأرض، وتأثير الإنسان في هذا التغير حيزاً مهماً في كتابات الجغرافيين منذ مدة بعيدة، واستطاع الجغرافيون تقدير حجم التدخل البشري في الكثير من الأنظمة البيئية.

ظهور الجغرافيا الحديثة:

وكل هذا حدث قبل إطلاق مصطلح علم البيئة (Ecology) من قبل العالم الألماني ارنست هيجل عام 1866م، وأكد الكثيرون من علماء الجغرافية أمثال همبولدت (1769-1859م)، و ريتر (1779-1859م) أن هدف الجغرافية هو فهم العلاقات المتبادلة بين الإنسان والوسط الذي يعيش فيه.

ويعد همبولدت جغرافياً- إيكولوجياً، ومن مؤسسي الجغرافيا الحديثة، اهتم بدراسة العلاقة بين الإنسان والبيئة.
 وقد أخذ هذا الاهتمام بالإيكولوجيا ضمن الإطار الجغرافي يتزايد وينمو بسرعة وأخذ الكثير من الجغرافيين منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر يركزون في مؤلفاتهم على العلاقة بين الإنسان والبيئة ومن هؤلاء مارش (Marsh) مؤلف كتاب الإنسان والطبيعة عام 1864.

وضَمن هذا الكتاب ملاحظات حول تعرية التربة وغيرها من مظاهر التدمير البيئي في أوروبة والشرق الأدنى، وكذلك كتابه (الأرض كما عدلها فعل الإنسان 1874).