الحلم في الشعر الجاهلي.. التأني والروية وضبط النفس عن هيجان الغضب ورجاحة العقل وسداد الرأي



الحلم في الشعر الجاهلي:

من يستقرئ الأشعار التي تعرضت للحلم يجدها تدور في معظمها حول معنيين: الأناة والعقل.
والحليم كما يتبين من الشعر الذي عرض له، هو الذي يوصف بالتأني والروية وضبط النفس عن هيجان الغضب، كما يوصف برجاحة العقل، وسداد الرأي.

الأناة والروية وضبط النفس:

فمن الشعر الذي عبر بالحلم عن الأناة والروية وضبط النفس قول وعلة بن الحارث الجرمي:
مـا بال مـن أسعى لأجبر عظمه + حفاظا وينوي من سفاهته كسرى
أعود على ذي الجهل والذنب منهم + بحلمي ولو عاقبت غرقهم بحري
أناة وحلما وانتظارا  بهـم غـدا + فما أنا بالواهي ولا الضرع العمر

وقوله أيضا حين قتل بعض أقاربه أخاه:
قومي هم قتلوا أميم أخي + فإذا رميت يصيبني سهمـي
فلئن عفوت لأعفون جللا + ولئن سطوت لأوهن عظمي

فلسفة في الحياة:

ولمعن بن أوس قصيدة تحكي فلسفته في الحياة، فهو يصور حال صديقه الذي بادره بالإساءة، وأصر على قطيعته، وأمعن في سوء معاملته.
ونراه يكظم غيظه، ويتألق نجمه ببلوغه قمة الحلم، قال:
وذي  رحم قلمـت أظفـار ضغنـه + بحلمي عنه وهو  ليس لـه حلـم
وإن أعف عنه أغض عينا على قذى + وما يستوي حرب الأقارب والسلم

نماذج مضيئة:

فمن تلك النماذج ما تناقلته كتب الأدب والأخبار عن حلم قيس بن عاصم.
فقد ورد ان الأحنف بن قيس، الذي يضرب به المثل في الحلم، قال: تعلمت الحلم من قيس بن عاصم المنقري، بينما هو قاعد بفنائه، أتته جماعة، فيهم مقتول ومكتوف، وقيل له هذا ابنك، قتله ابن أخيك، "ثم التفت إلى ابن له في المجلس، فقال له: قم فأطلق عن ابن عمك، ووار أخاك واحمل إلى أمه مئة من الابل، فأنها غريبة.

ومن هذا القبيل ما ورد أيضا عن الحارث بن عباد البكري من أنه كان من أحلم الناس في زمانه، حتى أنه اعتزل حرب البسوس بين قومه وتغلب في البداية، آملا أن تصطلح القبيلتان.
وبلغ من حلمه أنه حينما بلغه مصرع ابنه بجير على يد المهلهـل بـن ربيعة، قال: نعم القتيل إن أصلح بين هذين الحيين، وسكنت الحرب به.