إن ثقافة الحوار تبرأ من الاستهزاء واللعن والطعن والغمز واللمز... لأنها تستند إلى الحرية في الاختيار والتقدير المتبادل؛ فحين أنشد المثاقفة الحرة فأنا ـ بالضرورة ـ أعترف بحرية الآخر وأعلي من مكانته، ما يشي بأن هذه الرؤية تعمق إنسانية الإنسان في داخله في الوقت الذي تكوّن أنموذجاً ثقافياً بديعاً... أي إن ثقافة الحوار تنفتح على المناخ الاجتماعي والفكري والسياسي والديني بأسلوب يسعى إلى الاعتراف بالآخر... ويقبل به أياً كان انتماؤه أو عرقه أو لونه أو... اللهم إذا استثنينا الكيان الصهيوني، لأنه كيان طارئ، غير شرعي قانوناً وشريعة...
ولعل هذا يعني أن ثقافة الحوار تنقسم إلى قسمين:
ولعل هذا يعني أن ثقافة الحوار تنقسم إلى قسمين:
1 ـ الحوار الذاتي (الداخلي ـ المونولوج):
فالحوار الذاتي الداخلي ذو قيمة كبرى في هذا المقام؛ لأنه أداة مراجعة المرء لأعماله وسلوكه وآرائه وتصوراته وأبحاثه، ليصل فيها إلى درجة يرضى عنها، ويتقبلها المجتمع بقبول حسن؛ ولا تعارضُ القيم الخلقية، ومبادئ الشريعة السمحاء لقول أمير المؤمنين عمر: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم)... والمقصود بالمحاسبة والوزن مراجعة ذاتية يجريها المرء بينه وبين نفسه بحوار ذاتي موضوعي عاقل، محايد...
ومهما كانت قيمة الحوار الذاتي، فإن النية لن تتجه إليه، بل ستتجه نحو محاورة الآخر.
2 ـ الحوار الموضوعي (الخارجي ـ مع الآخر):
والآخر قد يكون فرداً أو جماعة، دولة أو أمة موافقاً أو مبايناً أو مغايراً في العرق والانتماء، والجنس والثقافة، والرأي والموقف و... وربما تصل المغايرة إلى درجة العداء والصراع... في حالتي السلم والحرب وعلى المستويين الداخلي والخارجي، أي على مستوى الثقافة الوطنية، وعلى مستوى التحديات التي تتعرض لها هذه الثقافة، وخاصة تلك المتمثلة بثقافة العولمة، علماً أن محاورة الآخر قديمة قدم البشرية.
ومحاورة الآخر تنطلق من وعي الذات لنفسها بعد أن امتلكت المنهج والمعرفة سواء كانت فرداً أم جماعة، فوعي الذات لنفسها يمثل وعي الذات لمفهوم الاختلاف مع الآخر وثقافته، وفهم الكيفيات التي تعتمدها؛ وإدراك الماهية الحقيقية لها تفوقاً وتقدماً، نقصاً وتخلفاً، ... ولهذا فإن ثقافة الحوار تبرز تحقيق وعي الذات، وتحقيق وعي الآخر لتقوم بعملية تنوير تؤدي إلى المثاقفة التي تنفتح على العالم بأسلوب عاقل ومتوازن وعادل ومتكافئ.
التسميات
عولمة