مفهوم الكفاية اللغوية عند تشومسكي والمنظور المعرفي.. نظام ثابت من المبادئ المولدة



يندرج تعريف تشومسكي ‎N. Chomsky بصفة عامة، ضمن التيار المعرفي.
إذ يُعرف الكفاية اللغوية "أنها نظام ثابت من المبادئ المولدة" والتي تُمكن كل واحد منا من إنتاج عدد لا نهائي من الجمل ذات المعنى في لغته، كما تمكنه من التعرف التلقائي على الجمل، على اعتبار أنها تنتمي إلى هذه اللغة، حتى و إن كان غير قادر على معرفة لماذا، وغير قادر على تقديم تفسير لذلك.

إن هذه القدرة، حسب تشومسكي، غير قابلة للملاحظة الخارجية، ويكون الشخص خلالها، عاجزا على ذكر كيف يتمكن من إنتاج وتوليد جمل مفهومة، ولا كيف يكون بمقدوره فهم جمل ذات دلالة في لغته.

وتتعارض الكفاية بهذا المعنى، مع الإنجاز أو الأداء ‎Performance والذي يعني "استعمال اللغة كما نلاحظها".
إن ما يُمكِّن المخاطب ـ المستمع من الكلام و الفهم في لغته، هو نظام من القواعد المستبطن.

كما أن الشخص الذي يمتلك لغة يكون قد استدخل نظام القواعد الذي يحدد الشكل الصواتي للجملة وأيضا محتواها الدلالي الخاص: إن هذا الشخص طور ما يمكن تسميته كفاية لغوية خاصة.
وهذه الكفاية اللغوية يمكن أن تصير نموذجا لكل الكفايات في مختلف المجالات.

كما يصبح الفهم التشومسكي للكفاية أداة لنقد الاتجاه السلوكي، إن المتعلم يكتسب اللغة بفضل الاشراط، أي بواسطة سلسلة من الاستجابات للمنبهات، فإنه لن يمتلك سوى عدد محدود من الصياغات، ولن يكون بمقدوره تكرار سوى الصياغات التي سبق له سماعها و تعلمها.

في حين أننا، نلاحظ على العكس من ذلك، أن كل متكلم قادر على إنتاج في لغته، صياغات لم يسبق له سماعها.
وهكذا نقول عنه إن لديه كفاية، أي لديه معرفة إجرائية (عملية) بالبنيات اللغوية.

إن هذه الكفاية هي التي تمكن المستمع من القدرة على القول بشكل فوري، ما إذا كانت هذه الجملة التي يسمعها لأول مرة صحيحة لغويا أم لا، حتى و إن لم يكن بمقدوره ذكر السبب.

وهكذا فإن الكفاية اللغوية التي يتحدث عنها تشومسكي ليست سلوكا.
إنها مجموعة من القواعد التي تسير وتوجه السلوكات اللغوية، دون أن تكون قابلة للملاحظة و لا يمكن للفرد الوعي بها.

إن تشومسكي يعـطي للكـفاية بعدا جديدا.
إذ يعتبرها ملكة "الانسجام والتلاؤم" (ونضيف نحن الاندماج)، إنها تسمح بأن تصير الكلمات منسجمة و متلائمة حسب كل وضعية.

وهكذا فالكفاية تكمن مع تشومسكي في التوافق مع جميع الوضعيات إنها الاستعداد لحسن الدراية والمعرفة.

و لم يكن تشومسكي وحيدا في إدراجه مفهوم الكفاية في التصور الذهني والمعرفي، على عكس ما يفعل السلوكيون، فقد قام العديد من الباحثين و من مجالات مختلفة، بذلك و لعل في مقدمتهم بعض المهتمين بالتدريس الهادف، والذين انخرطوا في هذا التوجه أي التوجه الذهني المعرفي.

ومنهم كانيي ‎Gagné على سبيل المثال والذي نظر إلى التعلم، انطلاقا من نظرية معالجة المعلومات.

على الرغم من كون مفهوم القدرة الذي يستعمله، يختلف تماما عن مفهوم الكفاية لدى تشومسكي، لأن كانيي يعتبرها أمرا مكتسبا وليس فطريا.

لكن ومن بين الخمسة مراقي التي يحددها في نموذجه حول التعلم، فإن المهارة الفكرية والاستراتيجيات المعرفية والاتجاهات، هي بالأساس عمليات ذهنية داخلية.

كما يصنف لوي دينو ‎D'hainaut والذي يبتعد عن التفسير السلوكي، الهدف في المجال المعرفي، على اعتبار أننا نعمل من خلاله على جعل التلميذ قادرا على إنجاز عمل عقلي ـ معرفي و بهذا يبتعد دينو في مجال التربية و التعليم عن السلوكيين من أمثال ماجر.

إن كل من كانيي و دينو وهاملين وغيرهم، يُدرجُون تصورهم في إطار السيكولوجية المعرفية على عكس ماجر ومن نحا نحوه.

إذ يتعلق الأمر بالنسبة إليهم بالتساؤل عما يوجد بين المنبه والاستجابة، أي أننا من الضروري أن نفتح "العلبة السوداء" لنكشف عن العمليات العقلية وراء السلوك.

وهكذا فعلى العكس من الذين ينظرون إلى الكفايات على أنها سلوكيات، فإن هؤلاء يتصورونها بشكل يجعل منها أمرا داخليا وغير مرئي، لذلك يمكن إدراج تصورهم كما أسلفنا، في إطار المدرسة المعرفية في السيكولوجيا، ذلك التصور الذي سيمنح توجها خاصا لنموذج التدريس الهادف، حيث سيجعله يبتعد عن الانغلاق في النظرة السلوكية ويتجنب بالتالي الانتقادات التي تتهمه بالتروع نحو التجزيئي والآلية والسطحية.


المواضيع الأكثر قراءة