الرثاء في العصر العباسي.. النظم في البحور الخفيفة ورثاء الشعراء الخلفاء والزوجات والمغنين والمدن والحيوان



أثرَّت الحضارة في شعر الرثاء فبعدَ أن كان الشعراء العرب ينظمون في البحور الطويلة صار شعراء العصر العباسي ينظمون في البحور الخفيفة.

ورثى الشعراء الخلفاء، وكان أول خليفة بكاه الشعراء هو أبو العباس السفاح، وقد كان رثاه أبو دلامة بقوله:
 ويلي عليكَ وويل أهلي كلهم .. ويلاً وهولاً في الحياة طويلاً

وقال أبو نواس في الخليفة محمد الأمين:
طوى الموت مابيني وبين محمّد -- وليس لما تطوي المنية ناشر
وكنت عليه أحذر الموت وحده -- فلم يبق لي شئ عليه أحاذر
لئن عمّرت دورٌ بمن لا أودّه -- فقد عمّرت ممن أحبّ المقابر

كما بكى شعراء هذا العصر أبنائهم، و مِنْ ذلك مرثية ابن الرومي في ابنه محمد، وأولها:
بكاؤكما يُشفي و إنْ كانَ لا يُجدي -- فجودا فقد أودى نظيركما عندي
بُنيَّ الذي أهدتـهُ كفاي للثـرى -- فيا عزَّة المَهديّ يا حسرةَ المُهدي
ألا قاتل الله المنايا ورميـها -- من القوم حبات القلوب على عمد
توخى حمام الموت أوسط صبيتي -- فللَّه كيف اختار واسطة العقد
على حين شمت الخير من لمحاته -- وآنستُ من أفعاله آية الرشد
طواه  الردى عني فأضحى مزاره -- بعيدا على قـرب قريبـًا على بعد
 لقد  أنجزت فيه المنايا وعيدها -- وأخلفت الآمال ما كان من وعد
لقد  قل  بين المهد واللحد لبثه -- فلم ينس عهد المهد إذ ضم في  اللحدِ

كما قالوا الشعر في رثاءِ الزوجات، ومن جيد هذا الشعر قول محمد الزيات في زوجته التي ماتت وتركت ولداً صغيراً:
ألا من رأى الطفل المفارق أمه -- بعيد الكرى عيناه تبتذرانِ
رأى كل أم وابنها غيـر أمه -- يبيتان تحت الليل ينتحبانِ
وبات وحيداً في الفراش تجنّه -- بلابل قـلبٍ دائم الخفقان
فلا تلحياني إن بكيت فإنما -- أداوي بهذا الدمع ماتريان

و من جديد الرثاء في العصر العباسي رثاء المغنين وبذلك تضمن الرثاء أوصافًا لم يعرفها الرثاء العربي.
و من ذلك قول أحدهم في رثاء المغني إبراهيم الموصلي:
بكت المسمعات حزناً عليه -- وبكاه الهوى وصفو الشراب
وبكت آلة المجالس حتى -- رحم العود دمعة المضراب

و مِنْ ضروب التجديد في الرثاء العباسي رثاء المدن، ومن ذلك قول الشاعر في المحنة التي أصابت بغداد إثر الصراع الناشب فيما بينَ الأمين و المأمون.
و مِنْ ذلك قول الشاعر:
يا بؤسَ بَغداد دار مَملَكة --  دارَت عَلى أَهلِها دَوائرها
أَمهَلَها اللَهُ ثُمَّ عـاقَبَها -- لَمّا أَحاطَت بِها كَبـائرها

و يُضاف إلى ما سبق رثاء الشعراء لأشياء جديدة كالأشياء الشخصية، كأن يرثي أحدهم قميصه أو حيوانًا فقده.
يقول ابن العلاّفِ في رثاء هرّة:
ياهرَّ فارقتـنا ولـم تعدِ -- وكنت منـا بمنزلِ الولد
وكيف ننفك عن هواك وقد -- كنت لنا عدة من العدد


0 تعليقات:

إرسال تعليق