قضاء الأحداث في المغرب: حماية قانونية وتأهيل لليافعين
يُشكل قضاء الأحداث في المغرب نظامًا قانونيًا متخصصًا يهدف إلى التعامل مع الأطفال واليافعين الذين يرتكبون مخالفات قانونية، مع التركيز على حمايتهم، تأهيلهم، وإعادة إدماجهم في المجتمع، بدلاً من التركيز على العقاب التقليدي. ينطلق هذا النظام من مبدأ أن الطفل الذي لم يبلغ سن الرشد الجنائي يحتاج إلى معاملة خاصة تأخذ في الاعتبار مراحل نموه وتطوره النفسي والاجتماعي.
1. تعريف الحدث وتمييزه القانوني
يُعرّف القانون المغربي الحدث بأنه الطفل الذي لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره. هذا التحديد العمري يُعد معيارًا أساسيًا لتطبيق الإجراءات الخاصة بقضاء الأحداث، وتمييزهم عن البالغين في المسؤولية الجنائية.
يتعامل القانون المغربي مع الأحداث بطريقة متدرجة، آخذًا في الاعتبار مستوى التمييز والإدراك لديهم، حيث يُميز بين فئتين رئيسيتين:
- الحدث غير المميز: وهو الطفل الذي لم يبلغ الثانية عشرة من عمره. في هذه المرحلة العمرية، يُفترض قانونًا أن الطفل لا يمتلك الإدراك الكافي لتمييز الخطأ من الصواب بشكل كامل، وبالتالي لا يُمكن مساءلته جنائيًا عن الأفعال التي يرتكبها. لا تُطبق عليه أي عقوبات جنائية، وإنما تُتخذ في حقه تدابير حمائية وتأهيلية تهدف إلى رعايةه وتقويم سلوكه. قد تشمل هذه التدابير وضعه تحت المراقبة القضائية، أو تسليمه لأبويه أو لجهة مختصة بالرعاية، أو إيداعه في مؤسسة تربوية أو علاجية.
- الحدث المميز تمييزًا ناقصًا: وهو الطفل الذي بلغ الثانية عشرة من عمره ولم يبلغ الثامنة عشرة. في هذه المرحلة، يُعتبر الحدث قادرًا على التمييز بين الصواب والخطأ، ولكن إدراكه للمسؤولية قد لا يكون كاملاً كالشخص البالغ. لذلك، لا يُطبق عليه نفس نظام العقوبات المطبق على البالغين، بل تُتخذ في حقه تدابير خاصة تراعي سنه وقدرته على الإدراك، وقد تُخفف العقوبات أو تُستبدل بتدابير تربوية وتأهيلية. الهدف الأساسي هو تقويم السلوك وتجنيبه الانحراف، وليس فقط معاقبته.
2. الغرف المتخصصة في قضايا الأحداث: حماية إجرائية وتخصص قضائي
لضمان معاملة خاصة للأحداث، وتوفير بيئة قضائية تراعي وضعهم النفسي والاجتماعي، تتعدد الغرف المتخصصة في قضايا الأحداث داخل المحاكم المغربية. يُراعى في هذه الغرف توفير قضاة متخصصين ومدربين على التعامل مع قضايا الأطفال، وغالبًا ما تُعقد الجلسات بسرية تامة لحماية خصوصية الحدث.
تختلف هذه الغرف وتتخصص حسب أنواع المحاكم وحسب طبيعة المخالفات التي يرتكبها الحدث، سواء كانت جنحية أو جنائية:
- على مستوى المحاكم الابتدائية:
- قاضي الأحداث: هو المسؤول الأول عن قضايا الأحداث. يُكلف بالبت في قضايا الجنح التي يرتكبها الأحداث، ويتولى الإشراف على التدابير الحمائية والتأهيلية التي تُتخذ في حقهم. هو بمثابة الركيزة الأساسية في متابعة مسار الحدث.
- غرفة الأحداث: تُعقد الجلسات فيها للنظر في جنح الأحداث، وتتميز بإجراءات مبسطة وسرية، مع حضور ممثل النيابة العامة وقاضي الأحداث ومحامي الحدث.
- على مستوى محاكم الاستئناف:
- مستشار مكلف بالأحداث: يُعين هذا المستشار داخل محكمة الاستئناف للنظر في استئنافات أحكام قضاة الأحداث وغرف الأحداث الابتدائية. يُراجع المستشار القرارات الصادرة ويتأكد من مدى مطابقتها للقانون ومصلحة الحدث الفضلى.
- غرفة الجنايات للأحداث: تُشكل هذه الغرفة داخل محكمة الاستئناف للبت في قضايا الجنايات التي يرتكبها الأحداث. تُعقد هذه الجلسات أيضاً بسرية تامة، وتُطبق فيها إجراءات خاصة تراعي وضع الحدث، مع إمكانية تخفيف العقوبات أو استبدالها بتدابير تربوية وإصلاحية صارمة. يهدف هذا التخصص إلى ضمان عدم خضوع الحدث لنفس الإجراءات القاسية التي تُطبق على البالغين في قضايا الجنايات.
- نيابة عامة متخصصة: يتوفر قضاء الأحداث على ممثلين للنيابة العامة متخصصين في قضايا الأطفال، والذين يحرصون على تطبيق القانون مع مراعاة مصلحة الحدث الفضلى، وطلب التدابير المناسبة لحماية وتأهيل الحدث.
3. الفلسفة الكامنة وراء قضاء الأحداث
تكمن الفلسفة الأساسية لقضاء الأحداث في المغرب في الخروج عن المنطق العقابي الصرف، واعتماد مقاربة شاملة تُركز على:
- مصلحة الحدث الفضلى: تُعد مصلحة الحدث المعيار الأسمى في جميع الإجراءات والقرارات القضائية.
- التأهيل والإصلاح: الهدف ليس فقط الردع، بل إصلاح سلوك الحدث وتأهيله ليصبح عضواً نافعاً في المجتمع.
- الرعاية الاجتماعية والنفسية: تُوفر تدابير الرعاية النفسية والاجتماعية للحدث، ودمجه في برامج تعليمية ومهنية.
- السرية والحماية: تُحاط قضايا الأحداث بالسرية التامة لحماية خصوصية الحدث ومستقبله، وتجنب وصمه اجتماعياً.
- المسؤولية المشتركة: تُلقى المسؤولية على عاتق الأسرة والمدرسة والمجتمع في رعاية الأحداث وتجنب انحرافهم.
في الختام، يُعكس نظام قضاء الأحداث في المغرب التزامًا قويًا بحقوق الطفل وتوفير إطار قانوني يحمي اليافعين ويُمكنهم من تصحيح مسارهم، مما يُسهم في بناء جيل واعٍ ومسؤول قادر على المساهمة في بناء المجتمع.