النموذج التكويني الإنتاجي المتمركز حول إنتاج المعرفة.. الاتجاه في تنظيم التكوين إلى إحداث تغييرات في سلوك الدارسين

النموذج التكويني الإنتاجي، ويتمركز حول إنتاج المعرفة: يتميز هذا النظام في كونه يتجه في تنظيم التكوين إلى إحداث تغييرات في سلوك الدارسين، ويتطلب ذلك عملية تخطيط وبرمجة تمكن من تحديد السلوكيات المراد تغييرها لدى المتعلم.

إن الأساس الرئيس في هذا النموذج يجعل المتعلم عنصرا فاعلا، ويؤدي إلى تقليص أي هيمنة خارجية، وبذلك يهدف إلى تكوين الفرد المتشبع بقيم الاستقلالية والحرية والمبادرة والتواصل التربوي والاجتماعي (الأعصر، 2001 : 5).

وينطلق هذا النموذج من عدة خلفيات هي: خلفية فلسفية وابستمولوجية، حيث يؤكد هذا النموذج على أن الإنسان ذو طبيعة قابلة للتغير، والإيمان بوجود الفروق الفردية بين الأفراد، واعتبار المعرفة ملازمة للفرد ولا وجود لحقائق علمية منفصلة عن نشاط الإنسان الفكري والثقافي، فهو واحد من أهم المصادر الأساسية للمعرفة العقلانية.

وترتكز الخلفية السيكولوجية للنظام التكويني الإنتاجي على الإيمان بفكرة التفاعل القائم بين الفرد والمحيط كأساس لبناء المعرفة وإنتاجها، وتحديد تصرفات وسلوكيات الفرد بناء على نظرية كل من "جان بياجيه" في النمو المعرفي، ونظرية "سيجموند فرويد" في النمو النفسي، ونظرية "فالون" في النمو الوجداني.

كما يستند النموذج التكويني الإنتاجي إلى خلفية سوسيولوجية، تؤمن بأهمية التفاعل القائم بين الفرد والجماعة، استنادا إلى الحتمية الاجتماعية الدوركايمية، وأسبقية الحياة الجماعية عند كارل ماركس، وتفاعل الفرد في ظل البيئة الاجتماعية عند ماكس فيبر في فهم سلوكيات الفرد.

أما الخلفية التربوية للنظام التكويني الإنتاجي تؤمن بتوجيه المتعلم نحو تحقيق أهداف إنمائية تمكنه من التعبير عن قدراته الإبداعية، ومن التواصل التربوي، ومن ثم التواصل الاجتماعي والتعاون مع الآخرين، والتعبير عن ذاته بكل حرية (عواشرية، 2007: 13).

إن المتأمل في خصائص هذا النظام التكويني الإنتاجي، وكيفية انتظام مكوناته وطبيعة خلفياته المتنوعة، يمكن أن يصل إلى فكرة رئيسية مفادها أن: نظام التكوين الإنتاجي يراعي عند بناء وتخطيط المناهج التكوينية مردودية التكوين ومدى انسجامه واستجابته لمختلف احتياجات المجتمع، ويصبح التكوين والتدريب في ظل هذا النظام عملية استثمارية هامة في العنصر البشري.

وعلى هذا الأساس ولبلوغ الأنظمة والسياسات التكوينية تحقيق إطار ذو كفاءة عالية والاستثمار الجيد في الموارد البشرية يجب عليها إقامة علاقة وطيدة بينها وبين القطاع المستخدم والمتمثل في سوق العمل، وذلك من أجل الوصول إلى إيجاد الصيغة المناسبة لضمان مطابقة التكوين والتدريب مع التشغيل، وذلك استنادا إلى مبدأ تحقيق التفاعل بين المؤسسات التكوينية التدريبية والمحيط، وذلك ما يجسد الخدمة الحقيقية وينقل المعارف من إطارها النظري العام إلى إطارها العملي التطبيقي.

وبناء على هذه المنطلقات، تنتظم مكونات النظام التكويني المتمركز حول المتمركز حول تعديل السلوك على: أهداف تربوية: تهدف إلى تكوين الفرد المتشبع بقيم الحرية والمبادرة والتواصل الاجتماعي والاعتماد على الذات (الاستقلالية)، وتدعيم قيم الإنتاجية والمردودية لدى الأفراد، وتأهيل الأفراد للتمكن من الحقول المعرفية المختصة في التحكم في التكنولوجيا.

ويصمم محتوى المناهج في هذا النموذج على أساس على احترام الإيقاع الخاص بالمتكون في العملية التكوينية، والتدخل لتصحيح مساره. ويستخدم في ذلك طرائق تدريسية يلعب فيها المتعلم دورا فعالا، مثل المناقشة وعمل المجموعات وطريقة التعيينات أو المشكلات والتعلم الذاتي.

وتتنوع الوسائل التعليمية في ظل النظام الإنتاجي، ويصبح الكتاب أحد الوسائل المعتمدة في تحصيل المعرفة وليس الوسيلة الوحيدة، إضافة إلى التجربة (الخبرة) واللعب والاحتكاك والتفاعل مع الواقع.

ويتمركز التقويم حول تعديل السلوك، ومن ثم الاهتمام بتصحيح الفارق بين الهدف المنشود والهدف المتوصل إليه، والتدخل المستمر للدعم والتقوية قصد تقلص ذلك الفارق عن طريق أساليب تقويمية مثل تربية التحكم، ومختلف أنواع التقويم: المبدئي، والتكويني، والتغذية الراجعة.

وتبنى العلاقة بين الأستاذ والمتعلم على مبدأ التعاقد التربوي، فالأستاذ يخطط وينظم الفعل التكويني ثم يطالب المتعلمين بالأهداف، ويشركهم في العمل على تحقيقها، والكل يعمل على تنفيذ وبلوغ الأهداف المتوقعة، وبذلك يمكن القول أن دور الأستاذ يقتصر على التوجيه والمساعدة والتنشيط، وعدم التسلط في تسييره.

ويتسم التنظيم الإداري للمؤسسة التعليمية في ظل هذا النموذج التكويني بالمرونة، حيث يسمح باتخاذ القرارات، وسيولة المعلومات من أسفل إلى أعلى ومن أعلى إلى أسفل بصورة تفاعلية، والمشاركة الجماعية في الخبرة (عواشرية، 2007: 14).
أحدث أقدم

نموذج الاتصال