الأوضاع الاجتماعية في إيران في عهد السلطان شاه طهماسب الأول.. احتكار طبقة القزلباشية الأراضي والأموال وتفاقم حالة الفقر والبؤس والحرمان بين الشعب



لم يستطيع الشاه طهماسب ان يسبغ على اوضاع الشعب الرفاهية والترقي الاقتصادي على الرغم من سلطنته الطويلة.
وبالمقابل وعلى العكس من اوضاع الشعب الذي لم يَرَ إلا البؤس فان طبقة "القزلباشية"  قد تحولت الى طبقة محتكرة تملك الأراضي والأموال، ورويدا رويدا بدأ تنظيم النظام المالي للدولة الصفوية حسب متطلبات مصلحة هؤلاء القزلباشية. وقد كانت هذه الطبقة تحتكر حتى الحرف والمهن ووظائف الدولة والأمور التجارية المختلفة مما اثقل كاهل الفقراء وزاد بذلك حالة الفقر والبؤس والحرمان بين الشعب.
العلاقات السياسية والاقتصادية مع دول شرق ايران مثل الصين وغيرها والتي بدأها الشاه اسماعيل كانت مستمرة.
وقد وصل المبعوث الانكليزي عن طريق اردبيل الى قزوين حاملا رسالة من الملكة اليزابيث وهدايا الى الشاه طهماسب  الا ان الشاه  لم يبدِ اهتماما كبيرا لسفراء الانكليز حيث رجعوا بعد ذلك حاملين معهم الحرير والاقمشة الثمينة الاخرى دون اجراء اي حوار او عقد اي اتفاق ثنائي.
بدأت حالات الفتن تظهر في المجتمع الصفوي الايراني بعد تزايد ثروات الحكام الجدد مثل القزلباشية ورؤساء العوائل والقبائل وشكلت هذه الشريحة التي كانت تتزايد ثرواتها يوما بعد يوم نوعاً من الإقطاعية الجديدة وقد استغلت هذه الشريحة احتكارها للزراعة والحرف المهمة. وعلى سبيل المثال فان عائلة من هذه العوائل المستغنية وهي عائلة ذو القدران في فارس  قيل في ثروة هذه العائلة بأن عدد الخدم والجنود لدى هذه العائلة كان يصل "  الى 8000 شخص وكانت تحضر لهم 400 ماعون من لذّ وما طاب من المأكولات "  وكان الشاه طهماسب لا يرد مطاليب حاشيته والمقربين منه حيث يقول ول ديواريت في هذا الصدد ان الشاه طهماسب كان جبانا ناقضا للعهود, ميالا للترف غير لائقٍ وان كان فنانا ماهرا.. "  ويوجز ويل ديورانت (وهو المسيحي الديانة) رأيه في هذا السلطان والدولة الصفوية بقوله: لعل الشاه كان يتمتع بخصائل قد خفي عن التاريخ فالدولة الصفوية وان كان هدفها "تقوية دعائم الاسلام"!! الا انها كانت السبب في إضعاف الإسلام واندلاع 12 حربا وكانت سبباً في تقسيم الشرق الاسلامي من سنة 1508 إلى سنة 1638 الى معسكرين وافادت بذلك المسيحية اذ ان السلطان سليمان – القانوني – اضطر ان يوقف حملاته على الغرب ليوجه  عنان جيوشه صوب ايران "  .
ويصف حسن روملو مؤلف كتاب "احسن التواريخ" السلطان طهماسب بانه كان شخصا يتوجس الخوف من كل شيء وكان يرمي بقية طعامه الى الماء او الى النار، وكان يخصص يوما كاملا لقص أظافره ويوما آخر لحمامه  فيقضي اوقات يومه من الصباح الباكر حتى المغرب في الحمام  .
ويكتب سفير البندقية (فنيزي) والذي ورد ايران من اجل عقد معاهدة اتحاد مع الدولة الصفوية حول مظالم عمال ومستخدمي الشاه طهماسب حيث يقول " يجتمع اصحاب المظالم في مقابل مقر الحكومة ليلا ونهارا وهم يشجون بالبكاء والعويل ليرد حقوقهم وقد يصل عددهم بعض المرات الى الالاف، وعندما يسمع الشاه باصوات رعاياه يأمر بتفريق المجتمعين. حيث يقول بانه (اي الشاه) قد اوكل الى القضاة وموظفي الدولة الصفوية بالنظر في مظالم الناس ومجازاة المجرمين. ولا يدرك بان شكاية الناس وصياحهم هو من القضاة والسلاطين الظلمة، وقد رأيت بأم عيني وكذلك شهد الناس كيف ان هذه الطغمة كانوا يقتلون الابرياء وان عدد الذين قتلوا بهذا الشكل وخلال ثماني سنوات يصل الى 10 الاف شخص كما هو مدون في سجل الدعاوي القانونية والشكاوي هذه الخروقات تحصل من قبل القضاة الجدد اذ ان هؤلاء القضاة لا يعين لهم رواتب ومخصصات مستمرة من سجل الحكومة لذا يتسلَمون الرشاوى وبما أنهم يرون إن السلطان لا يهتم بامور البلاد ووضع القضاء لذا فانهم يزيدون من قيمة الرشاوي  فتلاحظ ان الطرق وفي كافة ربوع البلاد غير امنة بل ان الشعب يحس بالخوف في عقر داره وممكن القول ان جميع القضاة تقريبا قد فسدوا بسبب تغررهم  بالمال .
ومن المؤلم ان نلاحظ امرا مهما في عهد الشاه طهماسب فعلى الرغم من العقل الخرافي والمظالم التي كانت تحصل في عهده الا انه كان هنالك قسم من الشعب يدينون له بالحب، هذه الظاهرة قد اثار التعجب لدى تاجر البندقية "دلساندري" وقد ذكر هذا السفير الاوربي " انه كان هنالك من كان يمدح الشاه كمدحه للإله وهذه القدسية كانت نابعة من الاحترام الذي كان يوليه لآل علي فان ذكر اسم طهماسب كان له أثر أكبر عند الناس – حسب معتقدهم - في شفاء مرضاهم من اسم الرب. وكان يرسل الى الشاه النذور بعيد حصول احدهم على مراده. فمثلا كنت ترى احدهم ينذر بتقبيل ابواب الحكومة في قزوين اذا ما حصل على مراده "  .
وكان يعتقد بعضهم بكرامات سيدهم الكبير "الشاه" ويتبركون بماء وضوئه ويحتفظون بقطع من ملابس "الشاه" او "برقع" للوقاية من عين الحسود
هذه الحقائق المؤلمة توحي لنا كيف ان السلاطين الصفوية وبالاخص الشاه طهماسب كانوا يتخذون الدين وسيلة لخداع الشعب للتستر على مساوىء الحكومة وفضائحها.
كان الشاه طهماسب يدعي دائما انه كان يرى "صاحب الرسالة محمداً صلى الله عليه وسلم" والائمة واجداده  في المنام وانه يأخذ الالهام منهم !! ويستفيد من بركات انفاسهم القدسية وهو نفسه يبقى لشهور وايام ولا يغادر حريمه وقصره واذا وصلت اهات المظلومين الى سمعه امر بتفريقهم بالعصا والضرب وطردهم من ابواب الحكومة.
 لقد انتشرت بعض الطرق الدينية المنحرفة في زمن الشاه طهماسب مثل "النقطوية" التي كانت تؤمن بالحلولية وتبدل الجمادات والاحياء من شكل الى اخر وقد انتشرت هذه الفرقة في زمن الشاه طهماسب بشكل كبير اذ تمتعت هذه الفرقة بالحرية في نشر آرائها وبث فكرها وقد استطاع أتباع هذه الفرقة التغلغل في المناصب الحكومية المهمة.
 وقد برز منهم اشخاص مثل أبي القاسم وأبي تراب اللذين احتلا مناصب مهمة في الحكومة الصفوية .
مؤسس هذه الفرقة هو "محمود بسيخاني" من أهالي قرية بسيخان حيث اسس سنة 800هـ فرقة النقطوية وادعى المهدية بعد فترة وجيزة من ظهوره، هذه الفرقة استطاعت ان تجمع أتباعاً كثيرين ما بين القرنين 9-10 هـ سواء في ايران او في الهند وفي اسيا الصغرى.
وقد شرح  "محمود بسيخاني" اراءه في كتابه المسمى "الميزان" وآراؤه خليط من تعاليم الاسلام والافكار الخرافية وقد استطاعت هذه الفرقة تأسيس مراكز لها في مدن كاشان، شيراز، قزوين واصفهان.
ولقد بدأ الشاه طهماسب بالقبض على المدعوين أبا تراب وأبا القاسم واللذين تغلغلا في حاشية الشاه فامر بحرمانهما من نعمة البصر وبدأ بذلك بمطاردة اتباع النقطوية والقبض على اتباعهم.
وفي اواخر حكم الشاه طهماسب ظهر شخص من اتباع النقطوية في مدينة كاشان فادعى الامامة وبدأ بحركته الا انه قد تم القضاء على هذه الحركة في مهدها.
وفي قزوين ظهر درويش باسم "خسروقزوين" وهو ايضا من اتباع النقطوية والتحق به اتباع كثيرون وقد استطاعت النقطوية كسب اناس كثيرين كان بينهم شعراء وادباء امثال سيد احمد كاشي ومولانا سليمان طيب ساوجى، كمال اقليدي، برياني، تراب وشريف املي ، وبسبب احتواء فكر النقطوية على الكثير من البدع والخرافات لذا فانها رويدا رويدا فقدت قوتها واضمحلت وانتهت.
وقد قتل “ الشاه عباس “ "حيث سنرى فيما بعد " الكثير من اتباع النقطوية  والغريب انه اجلس احدهم باسم "يوسف تركش دوز" بدلا عنه على عرشه لمدة ثلاثة ايام  وبعد ذلك امر بقتله !!.


المواضيع الأكثر قراءة