احتلال الشاه عباس الصفوي لبغداد.. محاولة إضعاف الدولة العثمانية وضربها من الخلف بطلب المساعدة من ملوك أوربا

بعد خسارة خليل باشا المعركة انعقدت سنة 1029 هـ (1618م) معاهدة سلام بين الطرفين وتم الاتفاق على ان تكون الحدود بين الدولتين هي ما كانت عليه زمن الشاه طهماسب وان يؤدي الشاه الايراني 100 حمل من الحرير كل سنة للسلطان العثماني.
وقعت اخر حروب “ الشاه عباس “ مع العثمانيين في سنة 1032 واستمرت الى سنة 1034 وقد دارت الحروب هذه المرة حول الاستيلاء على مدينة بغداد .
وقد تم احتلال بغداد في زمن الشاه اسماعيل الا ان السلطان سليمان القانوني العثماني  استطاع السيطرة على بغداد وجعلها ضمن حدود دولته.
سار “ الشاه عباس “ سنة 1032 (1622م) من اصفهان على رأس جيش كبير الى العراق وفي ربيع الاول استطاع السيطرة على المنطقة. ومن ثم توجه الى  مدن النجف وكربلاء وأتم السيطرة عليها ومن اجل الايحاء بانه جاء لخدمة تلك المراقد المقدسة للشيعة قام بتعمير وزيارة تلك الاماكن.
اوكل السلطان مراد الرابع (حافظ احمد باشا) من اجل استعادة بغداد وجهزه بجيش قوي وامره بالتوجه لاستعادة المدينة وبالفعل تقدم الجيش وعسكر على اطراف المدينة وبدأ بضرب طوق الحصار عليها ، وبقيت المدينة اشهرا كاملة تحت الحصار العثماني وفي المقابل ارسل “ الشاه عباس “ احد فرسانه المسمى " زينل بيك شاملو" لعضد المحاصرين من القوات الايرانية حيث استطاع هذا القائد من الحاق الهزيمة بالجيش العثماني وكسر الطوق المضروب على المدينة.
وفي سنة 1034 توجه “ الشاه عباس “ بنفسه لملاقاة الحافظ احمد باشا حيث استطاع جيشه ان يلحق الهزيمة تلو الهزيمة بالقائد العثماني. 
منذ ذلك التاريخ والى نهاية حكم “ الشاه عباس “ لم تقع معركة او حربٌ بين الدولتين وان لم تنقطع الهجمات الايرانية على جورجيا وارمينيا.
ان هدف سلاطين ايران في حربهم ضد الدولة العثمانية واستمدادهم وبالاخص “ الشاه عباس “ المساعدة من ملوك اوربا ضد الدولة العثمانية هو محاولة إضعاف الدولة العثمانية وضربها من الخلف وبذلك يتم تحقيق هدف الطرفين في القضاء على الدولة العثمانية واشغالها حتى تضعف ولا تستطيع ان تجمع جيوشها في جبهة واحدة وضد طرف واحد.
فقد اتخذ ملوك اوربا الشاه عباساً وسيلة لتخفيف الحملات التي كانت الدولة العثمانية تقوم بتوجيهها ضدهم . ولم يكن “ الشاه عباس “ الا شخصا سفاكا خمارا لا يمتلك في قلبه معنى للرحمة ، طالبا للسلطة والقوة ولم تكن لحروبه اية اهداف دينية بل كانت وسيلة لاضعاف الدولة العثمانية من اجل ارضاء المسيحيين ولم يكن بالطبع يرغب سلاطين الدولة الصفوية حلول السلام بين الاوربيين والدولة العثمانية.
وعند انعقاد اية اتفاقية سلام بين الدول الاوربية والعثمانية كان “ الشاه عباس “ يستشيط غضبا لهذا الامر .
ففي سنة 1016هـ (1607م) عندما سمع بان السلطان العثماني احمد خان قد عقد صلحا مع  رودولف الامبراطور الأماني اشتعل غضبا الى درجة انه نادى "انتونيودوكو" السفير الاسباني طالبا منه بالتوجه فورا الى البابا ليطلب منه افساد السلام المنعقد بين السلطان العثماني والالمان والاسبان .
يذكر السفير الاسباني هذه الحادثة في مذكراته فيقول: قال لي الشاه عباس.. يجب ان اجعل ملوك اوربا يفون بتعهداتهم اذا انى قد انجزت عملا عظيما واذا اقتضى الامر ان احارب لوحدي الدولة العثمانية فانى لا محالة سوف أمنى بالهزيمة . يجب ان تذهب الى البابا وتجبره ان يعاتب الامبراطور الالماني بسبب ابرامه اتفاقية صلح مع الاتراك العثمانيين وان يطلب منه كذلك ان يعلن الحرب على السلطان ، اذ لا يكون مقبولا عند الرب ان يتركوني لوحدي مقيدا هذا في الوقت الذي يمد البابا وبقية زعماء الفرنج  أيديهم الى الاتراك لاحلال  السلام والصداقة مع الاتراك...
وبسبب تأثر الشاه فقد سالت قطرات من دموعه  فقلت له: كنت اتمنى ان يكون رغبة جميع ملوك الفرنج كرغبتي حتى استطيع بسهولة ان اقنعهم باعلان الحرب على السلطان العثماني ولكن مع الاسف ليس الامر هكذا ، مع ذلك متى ما اراد (عالي حضرة) فاننى ساكون متأهبا للسفر، ففرح الشاه فرجوته ان يحضر رسائله الرسمية وان يأذن بمرافقة خليفة الارامنة في سفري الى حضور البابا الاعظم .." 
بدون شك ان القتال والصراع بين الدولتين الاسلاميتين والتعاون مع الملوك الاوربيين ضد بعضها البعض وطلب العون من تلك الدول لقتل المسلمين ادى كل ذلك الى وقوع التفرقة بين الشعوب الاسلامية لقرون وبالتالي أدى الأمر الى اختراق وتغلغل المستعمرين والاوربيين في أراضي الدول الاسلامية وتحت مسميات مختلفة وبالتالي التدخل في شؤون هذه الدول وقضاياها المصيرية ومن ثم دفع هذه الدول الى الاقتتال مع بعضها وقد أدت تلك المحاولات الى وقوع هذه الدولة في القرن الثامن عشر والتاسع عشر فريسة للاستعمار فتم استعباد اهاليها ونهب ثرواتها .
هذه النهاية الحزينة دليل كافِ على خيانة الدولة الصفوية وموالاتها شبه المستمرة للغرب من أجل امرار مشاريع الاستعمار في المنطقة فكان تحصيل حاصل اذ ضعفت الدولة العثمانية  وبالتالي بدأت الدول الاسلامية والمناطق الغنية منها تقع الواحدة تلو الاخرى غنيمة سهلة بيد الاستعمار الاوربي وتأخر بالتالي استقلال هذه الدول لقرون وخلال هذه القرون نهبت ثروات الدول وانتهكت اعراض نسائها وباتت أسيرة تحت قبضة ورحمة تلك الدول  المستعمرة .
وعند تقصي سيرة وأعمال “ الشاه عباس “ يظهر لنا بوضوح انه لم يكن يهمه لا الشعب ولا استقلال الاوطان ولا المذهب اذ لم يكن ملتزما لا بالدين ولا بالمذهب انما كان يظهر تمسكه بالمذهب وآل البيت لخداع عامة الشعب.
      كان “ الشاه عباس “ مستعدا ومن اجل الحاق الهزيمة بالدولة العثمانية التعاون مع اية دولة اوربية مسيحية ، وكانت الدول الفرنجية تعرف توجه الشاه فكانت تستثمر هذه الفرصة من اجل اضعاف الدولة العثمانية .
وقد ارسلوا السفراء والوفود الى ايران لكسب صداقة ملوك ايران وتزويدها بالاسلحة الجديدة. 
في سنة 1006 هـ وعندما كان “ الشاه عباس “ مشغولا بصد الاوزبك في خراسان جاء وفد من انكلترا ضم كل من انتوني شرلي مع اخيه رابرت شرلي وبرفقة 26 من رفاقهم  .
كان الهدف من زيارة هذا الوفد هو الحصول على اتفاقيات تجارية وعقد اتحاد ما بين “ الشاه عباس “ والملوك المسيحيين ضد الاتراك العثمانيين.
استطاع الوفد الانكليزي اللقاء مع “ الشاه عباس “ في مدينة قزوين وتقديم الهدايا له. فاستقبلهم الشاه بحفاوة واخذهم معه الى اصفهان.
في اصفهان علم الشاه والله ويردي خان بان من بين الاخوة شرلى من هو خبير بفنون صنع المدافع والعلوم العسكرية ! فطلب منهم الشاه ان يقوموا بتعليم الجيش الايراني.
فقام رفاق شرلي بمحاولة ايجاد تغييرات في الاسس التي بني عليها الجيش الايراني وعلموا الكثير من الضباط كيفية استعمال الاسلحة الجديدة.
في اواخر سنة ( 1007هـ ) كان الشاه قد استطاع تأسيس جيش جديد وارسل المدعو انتونى شرلي برفقة (السفير) حسين على بيك بيات الى ملوك اوربا ليقوم بعقود بيع الحرير الايراني من جهة ومن جهة اخرى للسعي الى تقوية التحالف الاوربي ضد العثمانيين.
وقع الخلاف في الطريق ما بين شرلي وحسين علي بيك بيات فانفصل شرلى عن صاحبه وتوجه نحو اسبانيا للقاء ملكها فليب الثالث ولم يرجع الى ايران بعد ذلك. 
وصل حسين علي بيك بيات اسبانيا بعد سفر طويل ولكنه رجع الى ايران من هناك بسفينة وضعها في تصرفه فيلب الثالث ملك اسبانيا وفي سنة ( 1016هـ ) ارسل شاه عباس رابرت شرلي سفيرا الى اوربا لعدم رجوع انتوني شرلى من اوربا وقد كان هذا المدعو خدم الشاه خدمات كبيرة في حربه ضد الدولة العثمانية والتقى رابرت شرلي بملوك الهند والمانيا وايطاليا، روما واسبانيا وانكلترا واجرى مع البابا مباحثات في شأن اتحادهم ضد الدولة العثمانية.
في سنة ( 1020هـ ) ذهب رابرت شرلي للقاء الملك الانكليزي واعطى له مقترحات “ الشاه عباس “ باعطاء ميناءين من موانىء ايران للانكليز واعطائهم حرية التجارة في اراضي ايران بالاضافة الى حرية التحرك لعمال شركة الهند الشرقية مقابل قطع انكلترا تجارتها مع الدولة العثمانية.
ولقد اعترض بعض التجار الانكليز والذين لهم علاقات تجارية جيدة مع الدولة العثمانية وخصوصا في الشام على هذا العرض ورأوه تهديدا لمصالحهم الاقتصادية. رجع رابرت شرلي بعد تحمله صنوفا من مشقات السفر الى ايران سنة ( 1024هـ ) .
ارسلت شركة الهند الشرقية سفيرا لها للقاء “ الشاه عباس “ لكي يستطيع عرض بضائعها والتي لم تستطيع ان تبيعها في الهند ، استطاع سفير الشركة استحصال بيع بضائعها في ايران بالاضافة الى ذلك وضع الشاه ميناء جاسك في تصرف الشركة مع حرية البقاء وجعلها سوقا لهم على الرغم من معارضة رابرت شرلي لذلك.
ذهب رابرت شرلي سنة 1024 الى فيلب الثالث بصفة سفير ايران !! لمحاولة اقناع الملك الاسباني للقيام بمحاولة اخرى لجمع الدول الاوربية في اتحاد عام من اجل كسر ودحر الدولة العثمانية .
أحدث أقدم

نموذج الاتصال