العلاقة بين المسرح والتاريخ في مسرحية المهرج لمحمد الماغوط.. الأبعاد الإيديولوجية للممارسة الميتامسرحية القائمة على استراتيجية التناص



مما لاشك فيه، أن أرسطو تعامل مع العلاقة بين المسرح والتاريخ بهذا المنظور، محددا مبادئ أساسية لها هي: الحقيقي، المحتمل والمقنع.

فما هو حقيقي هو ما يمكن وقوعه فعلا، وحتى تصبح له قوة الإقناع عليه أن يحقق مطلب الاحتمال، ويصبح بالتالي مطابقا لأفق انتظار المتفرج، أي لما تعتبره جماعة ما ممكنا في زمن ما.

لهذا، فتقديم صقر قريش باعتباره بطلا مبتذلا في مظهره وسلوكه ولغته، لا يقنع الجمهور المكون من الزبائن، لأنه يجافي الحقيقة ولا يعكس  الصورة التي يحملها عن هذا البطل.

وعليه، عمدت مسرحية "المهرج" إلى إعادة بناء الصورة التاريخية لصقر قريش بشكل يراعي المبادئ الأساسية للدراما التاريخية من جهة، ويعكس رؤية محينة للكاتب إزاء ماضي أمته وحاضرها في آن واحد.

إن الفصلين الثاني والثالث من المسرحية يمضيان في هذا الاتجاه التصحيحي: تصحيح المشهد المسرحي السابق الذي يرسم صورة مبتذلة لصقر قريش، وتصحيح التاريخ في آن واحد.

وقد تحقق المطلب الأول عن طريق استحضار الإنجازات البطولية لصقر قريش، كما تحقق المطلب الثاني بخلق تداخل بديع بين الماضي والحاضر بشكل حول صقر قريش إلى شخصية عربية معاصرة تعايش الزمن العربي الرديء، أي زمن التخلف والهزيمة الذي فقدت فيه أرض فلسطين العربية، وتحاول شحذ الهمم والقيام بدورها التاريخي من أجل استعادة ما ضاع، إلا أنها سوف تصطدم بالمؤامرات والخيانات العربية التي ستؤدي إلى محاكمتها باعتبارها شخصية إرهابية.

وهنا تنفتح الشعرية التي يقيمها الماغوط في نص"المهرج" على سياقها التاريخي، لتجعلنا نقف، عن كثب، على الأبعاد الإيديولوجية للممارسة الميتامسرحية القائمة على استراتيجية التناص.