الموت الدماغي.. تنزيل الداء المسمى بموت المخ منزلة الموت المعتبر مع وجود العديد من علامات الحياة المعهودة

يأتي القول بالموت الدماغي – و هو تنزيل الداء المسمى بموت المخ منزلة الموت المعتبر ، مع وجود العديد من علامات الحياة المعهودة – كحلقة من حلقات تغيير المفاهيم ، التي يجري الترويج لها باستمرار و إصرار يصل إلى حدّ الضغط و الإلحاح ؛ لاستباحة أجساد هؤلاء المرضى الأحياء ، و استلاب أعضائهم ؛ بدعوى نقلها و زرعها في أجسام مرضى غيرهم.
ذكَر بيان ندوة " الحياة الإنسانية بدايتها و نهايتها " - التي عُقدت بالكويت سنة 1985 – نقلاً عن الأطباء المشاركين فيها قولهم : ( إن كان جذع المخ قد مات فلا أمل في إنقاذه وإنما يكون المريض قد انتهت حياته ، ولو ظلت قي أجهزة أخرى من الجسم بقية من حركة أو وظيفة هي بلا شك بعد موت جذع المخ صائرة إلى توقف وخمود تام ).
هذا و قد بلغت مُدة بقاء عمل القلب في بعض هؤلاء المرضى ثمانية و ستين يوماً بعد تشخيص الإصابة بموت الدماغ [[vi]] ؛ كما قال أحد المؤيدين لاعتباره موتاً للإنسان المُصاب به . و لا يقول عاقل إن عمل القلب تلك المدّة إنما هو بقية حركة أو وظيفة ، حتى لو كان ذلك بمساعدة أجهزة الإنعاش ؛ لأنها لا يمكنها فعل مثل ذلك في أجساد الأموات موتاً حقيقيا . هذا فضلاً عن أنّ أجهزة الإنعاش لا صلة لها ببقية أجهزة الجسم العاملة.
و هذا الجَزْمُ الذي ادّعوه – و المذكور في أول هذا الفصل - زَعْمٌ باطل ؛ لأنٍَّ عِِلْم ذلك و تقديره عند الله وحدَه ، لا عند أحدٍ سِواه ، و لا يُجادل في هذه الحقيقة الأكيدة إلاّ جاحدٌ أو مُعانِد ؛ قال الله تعالى :{ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا }.[آل عمران : 145].
و معنى " مؤجلا " إلى أجل. ومعنى " بإذن الله " بقضاء الله وقدره.
وأجل الموت : هو الوقت الذي في معلومه سبحانه ، أنّ روح الحيّ تفارق جسده ؛ قاله القرطبي. وعليه فالله وحده هو من يعلم و من يُحَدِّد لحظة الموت.
و تلك الحُجَّة التي احتَجّوا بها داحضة ؛ لأن تَوَقُّع دُنُوّ ٍالمَوت ليس سبباً - في الشرع - للتعجيل بإيقاعه بوسيلة من الوسائل ، أو لِغَرضٍ من الأغراض ، مثل استباحة الجسد و استلاب الأعضاء ، و إلاّ لَجَازَ فِعْل ذلك بجميع المُحْتضِرين مِن غَير مَرضَى موت الدماغ ، و هذا باطلٌ بِلا رَيْب ؛ لأنّ الله تعالى حرّم إعجال مَوت مَن قربتْ نفْسه مِن الزهوق ، و أنّ فاعل ذلك قاتلُ نفْسٍ ؛ ٍقال الإمام ابن حزم : لا يختلف اثنان من الأُمة كلها في أن من قَرُبَتْ نفْسُه من الزَّهوق بعلَّة أو بجراحة أو بجناية بعمدٍ أو خطأ فمات له ميتٌ فإنه يرثه ، وإن كان عبداً فأُعتق فإنه يرثه ورثته من الاحرار ، وأنه إن قدر على الكلام فأسلم وكان كافراً وهو يميز بعد فإنه مسلمٌ يرث أهله من المسلمين ، وأنه إن عاين وشخَص ولو يكن بينه وبين الموت إلا نفَسٌ واحد فمات من أوصى له بوصية فإنه قد استحق الوصية ويرثها عنه ورثته ؛ فصح أنه حيٌّ بعدُ بلاشك ؛ إذ لا يختلف اثنان من أهل الشريعة وغيرهم في أنه ليس إلا حيٌّ أو ميت ولا سبيل إلى قسم ثالث ، فإذ هو كذلك وكنا على يقينٍ من أن الله تعالى قد حرّم إعجال موته وغَمّه ومنعه النفَس ؛ فبيقينٍ وضرورة ندري أن قاتله قاتل نفْسٍ بلا شك ، فمن قتله في تلك الحال عمداً فهو قاتل نفْس عمدا ومن قتله خطأ فهو قاتل خطأ ، وعلى العامد القود أو الدِّية أو المفاداة ، وعلى المخطئ الكفارة والدية على عاقلته ، وكذلك في أعضائه القود في العمد.
و هذا الإعجال بالموت هو الحاصل في إماتة المرضَى بموت الدماغ ؛ بمنعهم النفَس بطريق نزع أجهزة الإنعاش – المساعِدة على التنفس – عنهم ، في حال رفض أهلهم التبرع بأعضائهم ، أو بإماتتهم قتلاً بانتزاع أعضاء أجسامهم الحيوية – الضرورية للحياة – في حال القبول بذلك التبرع . و قتْل النفْس العمْد متحققٌ في كِلا الحاليْن .
و لا يَصحّ التعلل بغرَض اقتطاع الأعضاء لعلاج الغير - في ذلك الإعجال بالموت – لأن ( لِحياة الإنسان حُرْمتها ، و لا يجوز إهدارها إلاّ في المواطن التي حددتها الشريعة الإسلامية ، و هذه خارج نطاق المهنة الطبية تماماً ) ؛ كما جاء في الباب السابع من " الدستور الإسلامي للمِهن الطبية " ، الذي أقَرّته المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال