القصة القصيرة جدا عند جابر عصفور وعبد القادر الجنابي وبشر فارس.. الاعتماد على توظيف الحذف والاسترجاع والاستباق والتعويل على الانزياح التعبيري



إن القصة القصيرة جدا نوع أدبي يعمل على تجديد مفهومه من الداخل ومن الخارج ايضا، إلى درجة تستدعي إعادة النظر في مقوماته الجمالية.

ذلك أنه وهو يعتمد على توظيف الحذف والاسترجاع والاستباق ويُعوِّل على الانزياح التعبيري؛ يتحول إلى فضاء متعدد الابعاد يستدعي أكثر من نص، مما سيؤدي إلى إذكاء الدلالة الشعرية ومن ثم توليدها أيضا، فيتحول هذا الضرب من الكتابة السردية الى ما يشبه كرنفال تتباين فيه الأصوات والألوان والفنون كذلك، رغم وفائه لشرطه الأول، الذي ينبني على عنصرين أساسيين وهما: الإيجاز والتكثيف.

لقد ذكر عبد القادر الجنابي مرة كيف ان بشر فارس وهو يحاول صياغة مفهوم للقصة القصيرة وجد نفسه يحدد شروط قصيدة النثر.. وهو ما سيؤكده الدكتور جابر عصفور حين قال: 'لا يبرع فيه سوى الأكفاء من الكتاب القادرين على اقتناص اللحظات العابرة قبل انزلاقها على سطح الذاكرة، وتثبيتها للتأمل الذي يكشف عن كثافتها الشاعرية بقدر ما يكشف عن دلالاتها المشعة في أكثر من اتجاه'.

وهو ما يؤكد أن ثمة قاسما مشتركا بين القصة القصيرة جدا وقصيدة النثر، وهو الإيجاز والتكثيف ووحدة العضوية، وهي من مكونات الشعرية الحداثية.

فالقصة القصيرة جدا هي هذا النمط من الكتابة الذي يمشي على الأسوار بين الأجناس الأدبية: الخبر، الشعر، الأحدوثة، القصة، أدب الحكم، أدب الطرائف والنشرة الصحفية البرقية، التي تستمد مادتها من الواقع المباشر، وعلى القاص أن يحولها تشكيلا فنيا ينقذها من المباشرتية والمناسبتية، فتنجح في الإفلات من الزمن ولا تبلى بمجرد مرور الحادثة المعنية.

وهو ما عبر عنه زكريا ثامر بقوله: 'ما يشغلني هو كيفية إنجازي لنصّ يعبّر عن واقع راهن ويستطيع القارئ بعد خمسين عاماً أن يقرأه ويشعر أنّه يعبّر عن واقعه أيضاً.. وهذا هو التحدّي الحقيقي الذي يواجهه الكاتب.'


0 تعليقات:

إرسال تعليق