بدايات التدخل الإنكليزي في الخليج العربي كانت تجارية.. صلاحية الكويت لإنشاء محطة عسكرية لتزويد السفن البريطانية بالماء والفحم

لم يكن الإنجليز أول من اهتم من الدول الأوروبية بشؤون الخليج، فقد سبقهم إلى ذلك البرتغاليون ثم جاء الهولنديون وبعدهم كان الإنكليز، أما الفرنسيون فقد كان اهتمامهم محدوداً.

وكان هذا الاهتمام البريطاني منذ القرن الثامن عشر قد أخذ في بدايته طابعاً تجارياً، تمثل في تأسيس وكالات تجارية في موانئه وبعض مدنه غايتها تأمين بيع المنتجات البريطانية، وكذلك تأمين البريد من الهند وإليها. حيث كانت تتولى ذلك شركة الهند الشرقية من خلال وكلاء معينين لها في تلك الأنحاء.

وقد تطور هؤلاء الوكلاء ليصبحوا قناصل بريطانيين تختلط مهمتهم التجارية بالنفوذ السياسي. ولما كان النزاع كبيراً ومتكرراً بين الفرس والعثمانيين، فإن موقف الوكالات التجارية البريطانية بات صعباً في الكثير من الأحيان، حين كانوا يتعرضون للضغط من الفريقين المتحاربين، كل منهما يطلب المساعدة ضد الفريق الآخر.

وحتى يضمن كل فريق انحياز هذه الوكالات إليه، فإنه كان يزايد على الآخر في منحها امتيازات أكثر. وكان أهمها حق الوكالة التجارية في تحميل جماركها الخاصة على السفن الإنكليزية، وأيضاً مرافقة قطع من الأسطول البريطاني لحماية السفن التجارية البريطانية في المياه والسواحل وداخل الموانئ. حتى أفضت مزايدات الفرس والعثمانيين إلى منح الإنكليز حق قيام حراسة خاصة من جنودهم على مقار تلك الوكالات - القنصليات.

هذا ومما ساعد في الاستجابة إلى المطالب الإنكليزية المتصاعدة، إن واقع الحال فيما يتعلق بالأمن البحري في الخليج كان مفقوداً حتى بعيداً عن النزاع الفارسي العثماني. ذلك أن بعض القوى المحلية كانت تثير المتاعب للتجارة الدولية في الخليج.

وكانت أهم تلك القوى، القبائل والمشيخات العربية المقيمة على الجانب الفارسي من الخليج وأشهرهم بنو كعب، حيث كانوا يهاجمون القوافل البحرية دون تمييز. مما دعا شركة الهند الشرقية للاستنجاد بالأسطول البريطاني وبشاه فارس "كريم خان زند" لمحاربتها.

وقد فشلت الحملة المشتركة على تلك القبائل سنة 1759.
وكذلك فشلت حملة أخرى كانت هذه المرة إنكليزية عثمانية سنة 1765، حيث تمكن بو كعب من الاستيلاء على جزيرة "خرج" التي كانت ما زالت بيد الهولنديين، واتبعوا ذلك بالاستيلاء على مدينة القطيف في الإحساء، وتحولوا لحصار البصرة سنة 1775 بالتعاون مع حليف بريطانيا في معركتها السابقة الشاه كريم خان زند!

كان من الطبيعي أن تقف بريطانيا إلى جانب حاكم البصرة أثناء هذا الحصار الذي جعل من الطريق التجاري والبريدي عبرها محفوفاً بالمخاطر وشبه مستحيل، خاصة وأن الحصار استمر لأكثر من عام، وانتهى باحتلال الفرس وبني كعب لها.

وقد تسبب ذلك في أن يبحث الإنكليز عن موقع لتجارتهم وبريدهم يكون بعيداً جنوباًَ عن البصرة.. ووجدوا في الكويت المكان المناسب.

نشأ عن ذلك كالعادة، ضرورة وجود ممثل انكليزي في الكويت وذلك سنة 1776، حيث عين اللفتنانت "تويس" (Twiss) قبطان إحدى السفن الإنكليزية أول وكيل تجاري بريطاني في الكويت.

وقد أشير إلى هذا التعيين ضمن رسالة موجهة من القنصل البريطاني في حلب إلى الوكيل التجاري في البصرة مستر "لاتوش" (Latouche) مؤرخة في 11/6/1776(1).

وجد الإنكليز في الكويت محطة تصلح لمساومة الأتراك على منحهم امتيازات معينة فيما لو أعادوا الوكالة إلى البصرة.

فقد كان موضع الاستغراب لدى الأتراك أن الإنكليز ترددوا في إعادة وكالتهم إلى البصرة بعد عودتها للحكم العثماني، متعللين بسبب بدا واهياً، وهو أن ممثلهم - مستر "هارفرد جونز" (Harford JONES) السير فيما بعد - متردد في العودة إلى البصرة بسبب رطوبتها وعدم ملاءمتها لصحته – مع العلم أن الرطوبة في الكويت أعلى منها في البصرة -، وأنهم لذلك مضطرون إلى تسجيل وكالة لهم في الكويت بصورة رسمية وذلك سنة 1792.

ولما لم يكن بإمكان الكويت أن تعوض عن البصرة، كما نصح مدير الوكالة الجديد مستر "مانيستي" (Manesty)، فقد بدأت بريطانيا بمعاودة الاتصال مع والى بغداد لإعادة الوكالة للبصرة مقابل الاستجابة لبعض الشروط في صالح امتيازات إضافية تمنح للوكالة وممثلها.

وقد أملت هذه الشروط اعتبارات مستجدة كانت انعكاساً لتوتر العلاقات البريطانية الفرنسية في أوروبا أثر قيام الثورة الفرنسية سنة 1789، وأيضاً لوقوف بريطانيا إلى جانب تركيا ضد أطماع فرنسا في الشرق خاصة في مصر وهي ولاية عثمانية..

وعندما تطور الوضع إلى أن تعرضت بعض السفن البريطانية إلى التفتيش من قبل قطع الأسطول الحربي الفرنسي، فإن بريطانيا لجأت إلى الفلايك الكويتية الصغيرة لحمل بريدها بحيث لا تلفت نظر القطع الفرنسية.

ولما ازداد التوتر ووصلت قطع من الأسطول البريطاني إلى الخليج، بات الطرفان يلجآن إلى الفلايك الكويتية والعربية الأخرى في نقل البريد وبعض المواد التجارية لكلتا الدولتين. وبات متعذراً عليهما تفتيش هذه السفن الصغيرة لكثرتها ولجوء بعضها للتسلح دفاعاً عن نفسها. ويبدو أن شيخ الكويت كان أكثر ميلاً لبريطانيا متعللاً للمحيطين به بأنها أكثر مودة لدولة الخلافة العثمانية من فرنسا.

وعلى هذا فقد سمح سراً للقنصل البريطاني في البصرة بتفتيش جميع السفن الكويتية بحثاً عن الرسائل الفرنسية المتوجهة إلى البصرة في طريقها إلى قنصل فرنسا في بغداد مسيو "روسو" (Rousseau).

وكذلك إيعاز شيخ الكويت لربابنة السفن الكويتية بتسليم بعض الرعايا الفرنسيين الذين كانت تنقلهم هذه السفن إلى الإنكليز.

(1) يلاحظ أن الرسائل المتبادلة يين المسؤولين البريطانيين حتى ما يقارب منتصف القرن التاسع عشر، لا تشير إلى وجود شيء اسمه الكويت، بل تتحدث عنها باسم "القرين".

وحتى شيخ الكويت نفسه في رده على إحدى رسائل Manesty المؤرخة في 29/6/1789، يشير إلى علاقة بلده بمتصرفية البصرة وحاكمها سليمان باشا بالنص الآتي حرفياً "إن مدينة القرين هي مِلك للباشا وسكانها هم خدمه..". The town of grain belong to the Bacha, The inhabitants of it are his servants..).

وفي رسالة من الكابتنHennell  إلى مجلس مديري شركة الهند الشرقية بتاريخ 24/4/1841، يتحدث عن عدم صلاحية (الكويت) لإنشاء محطة عسكرية لتزويد السفن البريطانية بالماء والفحم ويذكر اسمها al Qarin، وليس الكويت، سبع مرات.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال