الحقبة الزمنية/ عمر القصيدة: كتب ونشر بعض الشعراء وغير الشعراء قصيدة النثر منذ أزمان بعيدة.
كما يجب ألا ننسى ونحن في معرض الكلام عن الزمن أن القرآن الكريم يمثل أعظم وأقدم قصيدة نثر في موروث العرب الديني والثقافي كما هو معروف.
مع ذلك فإني أؤرخ العام 1990عاما لبداية عصر سيادة قصيدة النثر شبه المطلقة.
اجل, كانت قصيدة النثر معروفة قبل هذا العام ولكن أن تكون معروفة شيء، وأن تعتلي خشبة مسرح الشعر مكللة بغار نصر غير مسبوق.. شيء آخر.
لقد انتصرت القصيدة أخيرا كظاهرة ومرحلة عالمية شعرية وفنية وكتابية.
انتصرت على مدرستي الشعر السالفتين: قصيدة عمود الشعر العربي ثم قصيدة الشعر الحر.
وإذا كانت قصيدة الشعر الحر امتدادا و(نصف ولد شرعي حلال) للقصيدة القديمة، قصيدة الأوزان والقوافي، تحمل بعض سيمائها وشيئا من دمائها، فإن قصيدة النثر لا ترتبط بأيما علاقة مع الأخيرة. إنها بالنسبة لموروثنا الشعري والثقافي مجرد (ولد سفاح) لا يعترف به قاضي الشرع.
انتصرت وسادت مع انتشار وانتصار الكومبيوتر والإنترنيت والبريد الألكتروني E - MAIL.
لذا فلقد أسميتها قصيدة عصر العولمة والإنترنيت، والقصيدة العابرة للقارات وقصيدة عصر القطب الأوحد الذي أطلقت عليه في بعض كتاباتي عصر سيادة دولة (إسرائيكا)، القطب الذي يسعى محموما بعد سقوط جدار برلين وانكماش المعسكر الاشتراكي عام 1990 إلى السيطرة وتأمين السيادة المطلقة على العالم.
سيادة قصيدة النثر وعصرها لا تعني بالضرورة اختفاء مدرستي الشعر اللتين سبقتاها.
فلقد ظلت القصيدة القديمة حية وتعايشت مع قصيدة الشعر الحر رغم سيادة الأخيرة عليها.
فلقد ظلت القصيدة القديمة حية وتعايشت مع قصيدة الشعر الحر رغم سيادة الأخيرة عليها.
نعم، لقد انحسرت رقعة القصيدة القديمة في بعض المحافل والأقطار العربية وقل عدد قائليها من الشعراء لكنها بقيت على قيد الحياة طيلة عصر سيادة قصيدة الشعر الحر منذ عام 1945 حتى 1990.
الظواهر الاجتماعية والثقافية لا تختفي بشكل فجائي.
إنها تمتد من أصول جذورها وتربة حقبتها لتجد لها مكانا مناسبا في تربة وظروف العصر الجديد.
عليها كيما تظل حية ومطلوبة أن تتكيف مع ظروف ومتطلبات الواقع الجديد.
أي عليها أن تأخذ شيئا من طبائع الشعر الجديد الذي اكتسح ميدانها، أن تتخلق بأخلاق المولود الجديد.
والأمر هذا صحيح ولسوف يثبت أنه صحيح بالنسبة لقصيدة الشعر الحر.
أي أنها سوف لن تختفي ولسوف تبقى معافاة ومرغوبا فيها لفترات زمنية يصعب تقديرها، سواسية مع شعر بحور الفراهيدي.
ثلاث مدارس لقول الشعر لا يستطيع أن يمحو بعضها البعض الآخر أبدا.
لكن مدرسة قصيدة النثر ستبز ما عداها وتسيطر على المشهد الشعري العربي سيادة شبه مطلقة.
إنها سنة الحركة والتطور في الحياة ولا مرد لها أبدا.