السمارة: نبض الصحراء المغربية
تقع مدينة السمارة في قلب الصحراء المغربية، وتحديداً بين خطي الطول 26 درجة والعرض 11 درجة، على ارتفاع 110 أمتار فوق سطح البحر، وتبعد عنه بحوالي 220 كيلومترًا. يحُدُّ الإقليم من الشمال إقليمي طانطان وآسا الزاك، ومن الجنوب إقليم بوجدور والحدود الدولية مع الجمهورية الإسلامية الموريتانية. أما من الغرب، فتُجاور السمارة ولاية العيون، ومن الشرق تتقاطع حدودها مع الجزائر وموريتانيا.
الجغرافيا والتضاريس: قلب الساقية الحمراء
يمتد إقليم السمارة على مساحة شاسعة تبلغ حوالي 61,760 كيلومترًا مربعًا. تخترقه طريقان أساسيان يشكلان شريان الحياة للمنطقة: الأول يربطه بمدينة العيون غربًا، والثاني يتجه شمالًا نحو طانطان، ومنها إلى الأقاليم الشمالية عبر كلميم، حاضرة وادي نون.
من الناحية الطبيعية والجيولوجية، ينتمي الإقليم إلى منطقة الساقية الحمراء. تُعتبر تضاريس هذه المنطقة وتشكيلاتها الصخرية الحالية نتاجًا لحركات وتغيرات جيولوجية عنيفة شهدتها القشرة الأرضية خلال الأزمنة الجيولوجية الثالثة، أي قبيل العصور الرباعية الحديثة، مع بعض التغييرات الطفيفة التي أحدثتها عوامل النحت الطبيعية عبر الزمن.
يتألف الإقليم بشكل عام من:
- هضاب صخرية صلبة: تميز الجزء الشرقي من الإقليم.
- هضاب رملية هشة: توجد في الجزء الغربي، وهي مسطحة وشاسعة الامتداد.
يُشطر هذه الهضاب وادي الساقية الحمراء، الذي يُعد معلمًا جغرافيًا بارزًا، حيث يبلغ طوله حوالي 540 كيلومترًا بدءًا من مرتفعات زمور وصولًا إلى المحيط الأطلسي.
المناخ والغطاء النباتي والنشاط الاقتصادي:
تتسم طبيعة المنطقة بـ قساوة المناخ، فالإقليم ذو مناخ قاري شديد، يتميز بـ صيف حار جدًا قد تصل فيه درجات الحرارة إلى 50 درجة مئوية، وشتاء بارد قد تنخفض فيه إلى 15 درجة مئوية. أما التساقطات المطرية، فهي شحيحة جدًا، ولا تتعدى 50 مليمترًا خلال العام بأكمله.
الوديان التي تقطع هذه الجهة هي جافة حاليًا، وتظهر على شكل أخاديد عميقة تشهد على وجود شبكة مائية غنية وغزيرة في الماضي البعيد. هذا الواقع المناخي والجغرافي ينعكس بشكل مباشر على الغطاء النباتي الذي يكون نادرًا، ويؤثر على النشاط الفلاحي الذي يقتصر بشكل أساسي على تربية الماشية.
تُعد تربية الماشية النشاط الاقتصادي الأبرز في هذه الظروف، حيث تُربى قطعان كبيرة من:
- الإبل: حوالي 12,000 رأس.
- الماعز: ما يزيد عن 25,000 رأس.
الديموغرافيا والتقسيم الإداري
وفقًا لتقديرات مديرية الإحصاء لعام 2004، بلغ عدد سكان إقليم السمارة حوالي 60,415 نسمة. يتوزع السكان إلى:
- سكان حضريون: 40,340 نسمة.
- سكان قرويون: 20,075 نسمة.
يشهد الإقليم عمومًا والمدينة بشكل خاص نموًا سكانيًا سريعًا، ويعزى ذلك إلى الهجرة من المدن الشمالية نحو السمارة.
أما من حيث التقسيم الإداري الحالي، فينتمي إقليم السمارة إلى الجهة الجنوبية (جهة كلميم-السمارة). ويتكون من:
- دائرة واحدة: دائرة السمارة.
- أربع قيادات:
- قيادة اجديرية.
- قيادة أمكالة.
- قيادة حوزة.
- قيادة تفاريتي.
- بلدية واحدة: بلدية مدينة السمارة (وهي في الواقع الجماعة الحضرية).
- خمس جماعات قروية:
- الجماعة القروية الجديرية.
- الجماعة القروية أمكالة.
- الجماعة القروية سيدي أحمد العروسي.
- الجماعة القروية حوزة.
- الجماعة القروية تفاريتي.
التراث التاريخي والأثري: شهادة على حضارة عريقة
يزخر إقليم السمارة، من الناحية التاريخية والأثرية، بعدد كبير من المباني التاريخية والمواقع الأثرية التي يعود تاريخها إلى فترات ما قبل التاريخ وصولًا إلى بداية القرن العشرين. فإلى جانب المعالم التاريخية الصامدة داخل المدينة، توجد مواقع أثرية هامة في الضواحي، من أبرزها: جريزيم، الدار الحمراء، والعصلي بوكرش.
معظم البنايات المعمارية الباقية في المدينة تعود إلى نهاية القرن التاسع عشر، وهي الفترة التي شهدت الاستقرار النهائي للشيخ ماء العينين في المنطقة. يُعتبر هذا الأخير هو من وضع اللبنات الأولى لمدينة السمارة الحالية. وقد ذكر أحمد بن الأمين الشنقيطي في كتابه "الوسيط" عن الشيخ ماء العينين: "وقد اجتمعت به حين خروجي من مدينة شنقيط إلى مراكش في توجهي إلى الحجاز، ورأيت منه ما حيرني، لأني أقدر من معه في وادي أسمار من الساقية الحمراء بعشرة آلاف شخص".
شهدت مدينة السمارة في الأعوام الأخيرة تطورًا كبيرًا على صعيدي النمو السكاني والعمراني. يعود الفضل في ذلك بشكل كبير إلى الطرق الجديدة التي شُيدت، والتي ساهمت في فك عزلة المدينة، ما أدى إلى ارتفاع كبير في عدد السياح بنسبة تقدر بـ 12%. هذا الارتفاع عزز بدوره المداخيل المادية للمدينة وشجع المستثمرين على التوجه نحو المنطقة.
تأسيس مدينة السمارة ومعالمها التاريخية:
في الفترة ما بين 1896 و1898، قرر الشيخ ماء العينين، في نواحي وادي سلوان (أحد روافد الساقية الحمراء)، بناء مدينة لتكون نقطة التقاء للتجارة عبر الصحراء ومستقرًا للقبائل المجاورة. سُميت هذه المدينة بـ السمارة لكثرة تواجد نبات السمار على ضفاف وادي سلوان. ضمت النواة الأولى للمدينة القصبة وبيوت أفراد القبيلة وأتباع الشيخ. استمرت أعمال البناء أربع سنوات حتى عام 1902 م.
تتكون القصبة (أو ما تبقى منها) من عدة بنايات ما زال بعضها قائمًا ويحتفظ بطابعه الأصلي. تنتظم هذه البنايات داخل أسوار مبنية من الحجر المنجور (حجر زمور)، لا يتجاوز سمكها 0.5 متر. تحيط هذه الأسوار بالبنايات الخاصة بالشيخ ماء العينين وعائلته، وتُفتح على الخارج عبر أربعة أبواب تعلوها أقواس منكسرة:
- باب الشرق.
- باب الساحل: وهو باب الزاوية الحالي.
- الباب الشمالي (باب مراكش).
- باب الحجب: الذي كان مخصصًا لزوجات الشيخ ماء العينين.
تشكل الزاوية المحور الرئيسي للبنية الداخلية للقصبة، فبنايتها التي كانت مخصصة لسكنى الشيخ فرضت التصميم العام ونظمت المساحات. الزاوية عبارة عن منزل مربع الشكل تعلوه قبة فقدت معظم زخرفتها. بعد عبور مدخل مستقيم، نجد صحنًا تعلوه القبة، وتحيط به من جهاته الأربع أروقة عالية مسقوفة بـ "الورق والجائزة"، وتحملها سواري مربعة الشكل وأقواس منكسرة. تحت هذه الأقواس، تُفتح أبواب ثلاث غرف مستطيلة ومختلفة المقاييس.
تحيط بالزاوية أربعة بيوت مخصصة لزوجات الشيخ ماء العينين، وتتكون هذه البيوت من نفس الوحدات: بهو عميق وضيق، ثلاث غرف مستطيلة الشكل، ودرج يؤدي إلى السطح.
دار القناطر:
تنتصب شرق هذا المركب، وتشكل وحدة مستقلة مكونة من مجموعة من الغرف المستطيلة التي تنتظم حول صحن مكشوف مربع الشكل.
مسجد الزاوية:
يحتل هذا المسجد الواجهة الشرقية للقصبة، ويعاني من تصدعات كبيرة في بنياته المتبقية. تهدم عدد كبير من سواريه وجزء من أروقته، ولم يبق منه إلا ركام من الأحجار والتراب. يرجع بناؤه إلى نفس فترة بناء القصبة (1898-1902 م)، ويبرز تصميمه نفس الخصائص المعروفة في باقي المساجد المغربية، ولا يختلف عنها إلا في المحراب. يتميز المحراب بشكله النصف دائري العريض والعميق لاستقبال المنبر ولعب دور المحراب معًا.
يمتد المسجد على مساحة تقارب 97,968 مترًا مربعًا، مقسمة إلى جزأين: بيت الصلاة والصحن. بيت الصلاة تتوزع مساحته إلى ثلاث بلاطات موازية لحائط القبلة. على الرغم من تصدع أطرافه، ما زال المسجد يحتفظ بمعظم مكونات تصميمه الأصلي، ويشهد على انتشار وشيوع عادات وتقنيات البناء في حاضرة وادي نون، سواء في نول أسرير لمطة، تكاوست القصابي، أو كلميم، مرورًا بأكاووس (واعورون حاليًا). كان المسجد يضم أكبر مكتبة في المنطقة، حيث كانت تحتوي على أكثر من 5,000 كتاب، وكانت رائدة في شمال إفريقيا. لسوء الحظ، أدركت القوات الفرنسية، بقيادة الضابط لامورييه، الدور الذي لعبته هذه المكتبة في تنامي المقاومة ورفض الاحتلال، فتم تدميرها وحرقها بتاريخ 28 مارس 1913. خير دليل على ذلك ما سجله الرائد غارار في مذكراته من عنفوان وبأس المقاومة الصحراوية.
المسجد العتيق:
يقع المسجد العتيق وسط بنايات الحي الذي بنته سلطات الاستعمار الإسباني. بغض النظر عن وظيفته الأولى التي ارتبطت حسب الرواية الشفوية بالشعائر المسيحية، يشكل المسجد نموذجًا متناسقًا ومحكم التصميم تتجسد فيه مهارات وتقنيات معمارية متعددة. قبل الزيادات التي بدأت عام 1994، كان المسجد يتكون من قاعة للصلاة تمتد في ثلاث بلاطات ترتكز على أعمدة مثمنة الأضلاع بواسطة أقواس نصف دائرية، مبنية بأحجار منجورة. أما الصحن، فيحتل النصف الثاني ويمتد على شكل مربع مكشوف السقف، وتحيط به أروقة من جهاته الثلاث مشكلة امتدادًا للبلاطات الجانبية لبيت الصلاة.
جريزيم أو قصر التازي:
تقع بقايا هذه البناية شمال شرق مدينة السمارة على بعد حوالي 20 كيلومترًا في اتجاه وادي نون. تمثل هذه الأسوار بقايا بناية استقر بها الشيخ ماء العينين حتى عام 1259 هـ. تعرض هذا الموقع للهدم عام 1996 بسبب مرور سباق السيارات باريس-داكار، وهذا يُعد نوعًا من طمس المآثر التاريخية والتراث. لم يتبق منه سوى جناح مكون من غرفة مبنية بالحجارة المنجورة والطين.
الدار الحمراء:
يشكل هذا الموقع الأثري استثناءً في المحيط العام للمنطقة، فقد بُني بالطوب، مما أعطاه اسم "الدار الحمراء". ويُعتبر – حسب الذاكرة المحلية – أحد المواقع التي استقر بها الشيخ ماء العينين قبل أن يستقر به المقام في موقع مدينة السمارة الحالية. ترتفع بقايا هذه البناية على الضفة اليسرى للساقية الحمراء، وتطل على واديها. يتكون تصميمها من سور خارجي من الطوب يشكل مربعًا تقويه أبراج في زواياه الأربع. أما المساحة المسورة، فتنقسم إلى مجموعة من الفضاءات المستطيلة الشكل التي كانت تلعب دور الغرف. تُفتح هذه الغرف بواسطة أبواب على صحن مكشوف يؤدي إليه بابان في وسط الجهة الجنوبية للبناية.
النقوش الصخرية:
تتنوع المواقع الأثرية التي ترجع إلى فترات ما قبل الإسلام، وخاصة فترات ما قبل التاريخ، مثل: شجرة ميرات، الفارسية، حوزة، واد ميران، واد وين سلوان، العصلي بوكراش، وغيرها. على الرغم من قلة المعطيات المكتوبة، فإن الرواية الشفوية تحتفظ بالكثير، وهي خزان فكري يجب استثماره والاستفادة منه. لا تتوفر الكثير من المعطيات الموثقة باستثناء ما يتعلق بموقع العصلي بوكراش. يتميز إقليم السمارة بأكثر من أربعة وثلاثين موقعًا للنقوش الصخرية، ويُعتقد أنها تعود إلى الفترة ما بين 4000 و8000 قبل الميلاد. تُعد هذه المواقع سجلات مرئية ومتاحف في الهواء الطلق، تعرض آلاف التحف الفنية التي خلفتها المجموعات البشرية المتعاقبة على المنطقة. تُعتبر هذه النقوش تعبيرًا فكريًا قديمًا يوفر معلومات ثمينة في مجالات الأنثروبولوجيا، الفن، التفاعلات البيئية والاقتصادية والاجتماعية، والتطور الفكري والعقلاني والتكنولوجي. وقد كتب الكثير من الباحثين في هذا الميدان عن هذه النقوش، منهم: د. الماكرو، كامبس، مونود، تيدور، فروبينس، فلاماند، مصطفى أعشي، وعفراء الخطيب.
مفاهيم اجتماعية وثقافية أصيلة في المجتمع الصحراوي
يشكل المجتمع الصحراوي بنية اجتماعية وثقافية فريدة تتجلى في مفاهيم وممارسات ضاربة في القدم:
1. الخيمة:
تُعتبر الخيمة أول خلية ووحدة اجتماعية يمكن مصادفتها لدى المجتمع الصحراوي. إنها ليست مجرد وحدة مكانية، بل تُشكل في إطار مجموعة من العلاقات التي تجمع أفرادًا داخل أسرة واحدة. يقول الصحراويون: "خيمة فلان"، بمعنى "عائلة فلان". فالخيمة هنا هي مجموع العلاقات الملموسة في إطار الأسرة، وهي اسم مستعار من المسكن الذي يصنعه الإنسان الصحراوي من وبر الإبل وشعر الغنم بطريقة تقليدية. تتكون من شرائط تُسمى محليًا "افليج"، يتراوح عددها بين 7 و10 أشرطة. يتم جمعها وخياطتها بواسطة إبرة كبيرة ("مخيط") وخيط من نفس جنس الخيمة ("خيط النيرة"). يصل طول كل شريط بين 14 و16 ذراعًا، وعرضه بين ذراع ونصف وذراعين.
تُرفع الخيمة بواسطة عمودين ("اركايز") يوضعان بشكل معاكس، ويُشد هذان العمودان ببعضهما البعض بحبل يُسمى "الحمار". تُثبت الخيمة مع الأرض بواسطة أوتاد تُسمى "اخوالف"، وتُحاط بشكل دائري بواسطة "الكفي". تُقسم الخيمة إلى قسمين بواسطة "البنية": قسم خاص بالرجال وآخر خاص بالنساء. جرت العادة على فتح باب الخيمة على جهة الجنوب ("القبلة"). بالنسبة لمفهوم "القبلة"، له مدلول جغرافي، ولكنه في الوقت نفسه يحمل أبعادًا اقتصادية وسياسية وثقافية واجتماعية، وهو أيضًا مفهوم حضاري. يُطلق المفهوم على منطقة يحدها المحيط الأطلسي غربًا، ونهر السنغال جنوبًا، وأفطوط الشرقي شرقًا. أما حدودها شمالًا، فيتعذر تحديدها لاستمرار ظاهرة التصحر واضطراب العوامل الطبيعية.
2. الفريك:
هو عبارة عن مجموع الخيام والمجال الترابي الذي تتواجد عليه، ويُسمى "منزلة". يتوفر الفريك على جميع شروط الإنتاج، مثل القطيع والرعاة وخيمة الصانع ("المعلم"). كما يحتوي على خيمة الفقيه ومكان الصلاة ("أمصلا")، وهو مكان منبسط يكسوه الرمل، يُحاط بالحجارة، ويوجه نحو الشرق ("القبلة").
3. القبيلة:
من أكثر المفاهيم شيوعًا والتباسًا، شأنها شأن مفاهيم أخرى مثل الجماعة والزاوية. يمكن الحديث عن القبيلة كتنظيم اجتماعي يتميز بمقومات محددة: مجال جغرافي مشترك، نسب مشترك، وثقافة مشتركة. تشكل هذه الوحدات مجتمعة "قبيلة". القبيلة في مفهومها العام عبارة عن تجمع واتحاد لوحدات اجتماعية أصغر حجمًا، مثل الأفخاذ أو العشائر أو الفصائل. يعتقد بعض النسابة أن تسمية "قبيلة" جاءت تعبيرًا عن تقابل الأنساب الممتدة إلى أعماق التاريخ البعيد. تزخر المصادر القديمة بالشواهد والأمثلة التي جعلت التاريخ تاريخًا للقبائل أكثر من كونه تاريخًا للحضارات ودول ذات نظم ترتكز على روح المواطنة.
4. الجماعة:
تُعتبر الجماعة أعلى سلطة مرجعية تتوفر عليها القبيلة. هي في آن واحد هيئة تحكيمية وتنفيذية. تتكون من شيوخ أو زعماء الأفخاذ. "الجماعة" هي جزء من مؤسسة تحكيمية داخلية تقوم بدور التحكيم بين الأقسام وبين الأفراد، وتسن مجموعة من القوانين العرفية، وكل من خالفها تُفرض عليه عقوبات منصوص عليها. يقوم هذا المجلس، المتمثل في "أيت أربعين"، بأدوار اجتماعية وعسكرية؛ ففي فترة السلم يتحول إلى هيئة مدنية تقوم بتنظيم العلاقات الاجتماعية داخل القبيلة، ويقوم بدور تحكيمي عبر ما يسنه من قوانين عرفية وشرعية. وفي فترة الحرب، يتحول إلى هيئة دفاعية عسكرية تدافع عن القبيلة ومجالها.
5. الزعيم القبلي:
الزعيم هو الشخص المركزي الذي يسترعي الانتباه في الجماعة، لكونه مركز الاهتمام السلوكي أمام أفراد جماعته. هو أيضًا الملتزم بالأعمال القيادية، والشخص الذي يستمد قدرته على جعل جماعته تنجح في تحقيق أهدافها. معنى القائد هنا أنه الزعيم الذي يلتزم بوتيرة محددة من الأعمال القيادية. مسألة اختيار الزعيم القبلي تتدخل فيها مجموعة من الاعتبارات. فعلى المستوى السلالي، ينتمي إلى النسب المهيمن، أي إلى الأسرة التي تدعي قربها من الجد المؤسس والتي تنتمي إلى الفخذ المهيمن في القبيلة. إن الانتماء إلى نسب معين قد يكون مسألة غير دقيقة؛ لأن تتبع سلسلة النسب وتفرعاته عبر الزمن قد يدخلنا في متاهات الأصل الجينيالوجي. على سبيل المثال، نجد أحيانًا قبائل تتكون من مجموعات غير متجانسة، وخير مثال على ذلك قبائل "ثكنة"، فلا يمكن الحسم في أصلها الجينيالوجي، فهي تضم قبائل أمازيغية وأخرى عربية ربما قد استُدمجت في إطار الحروب القبلية.
6. القرابة:
هي مجموعة من العلاقات التي تُشكل المعرفة بين المجموعات الاجتماعية كروابط بين أفرادها، هذه الروابط التي تنحدر من الزواج أو النسب. يمكن تعريفها مبدئيًا بأنها العلاقة المباشرة التي تنشأ بين شخصين نتيجة لانحدار أحدهما من صلب الآخر، كما ينحدر الحفيد مثلاً من الجد عن طريق الأب، أو نتيجة لانحدارهما هما الاثنين من سلف واحد مشترك، كالعلاقة بين أبناء العمومة والتي ترد من الجد عن طريق الأعمام.
7. طقوس المرور والمقدسات:
لسكان المنطقة علاقة متميزة مع موتاهم. بقدر ما يقدسونهم ويتذكرونهم، بقدر ما تلقى قبورهم تعاملًا متواضعًا جدًا يبدأ مباشرة بعد الوفاة. يُدفن الميت مباشرة بعد وفاته في المكان الذي أوصى به، ويدفن حسب التعاليم الإسلامية، حيث توضع على قبره الأحجار وأغصان الطلح لمدة سنة كاملة حتى لا يُنبش. تتميز قبائل الركيبات بوضع أحجار صغيرة بيضاء على قبورهم. تتواجد بمدينة السمارة مجموعة من الأضرحة التي يقصدها الزوار للتبرك والترحم، ويأتي في طليعتها ضريح سيدي أحمد الركيبي الذي تنحدر منه قبيلة الركيبات، وضريح سيدي أحمد العروسي.