مدينة ولاتة.. مركز انطلاق لتجارة الذهب القادم من مالي الى سواحل المتوسط

 يعود تاريخ بناء مدينة ولاته الى القرون الاولى للميلاد، وكانت في البدء تسمى (بيرو) لكنها ازدهرت مع مجيء الدين الاسلامي الحنيف, فأصبحت محطة للتجارة الصحراوية، واصبحت القوافل تتخذها مركز انطلاق لتجارة الذهب القادم من مالي الى سواحل المتوسط، وربما يحسن بهذا المقام ان نذكر ان الرحالة المغربي ابن بطوطة قد زار ولاته في حدود 726 هـ، اي مع مطلع القرن الرابع عشر الميلادي، وتحدث في رحلته عن الازدهار الشديد الذي تعرفه هذه المدينة بحكم موقعها بين الاقاليم السودانية (مالي) وبين سجلماسة والواحات المغربية، ووصف رخاء معيشة اهلها بقوله (ويجلب اليهم تمر درعة، وسجلماسة، وتأتيهم القوافل من بلاد السودان فيحملون الملح ويباع الحمل منه بولاتن بثمانية مثاقيل الى عشرة ويباع في مدينة مالي بعشرين مثقالا وربما يصل الى اربعين مثقالا وبالملح يتصارفون كما يتصارف بالذهب والفضة يقطعونه قطعا ويتبايعون به). (الرحلة ص 658).
وكان ابن بطوطة يسمي المدينة في رحلته (ولاتن) ومرد ذلك الى طريقة التعريف والتنوين في اللغة الامازيغية التي كان معظم سكان المدينة يتحدثون بها وقت زيارته, ومن هنا اخذ منهم الاسم شفهيا واستخدمه اثناء مدحه لهذه المدينة على امتداد صفحات عديدة من رحلته الشائقة.
ومنذ مطلع القرن السادس عشر الميلادي عرفت مدينة ولاته بداية نهضة فكرية كبيرة، واصبحت احد اهم مراكز الاشعاع الثقافي العربي الاسلامي، وهاجر اليها عدد كبير من علماء مدينة تومبوكتو التي عرفت قلاقل وفي نفس الظروف هاجر اليها علماء ومفكرون من فاس وتلمسان ومراكش، كما استقر بها بعض اهالي توات بجنوب الجزائر، وبعض العائدين من الاندلس التي سقطت نهائيا بيد الاسبان عام 1492. 
والحقيقة ان هذا الكم الهائل والمتنوع من المهاجرين رفد المدينة بمصادرها الثقافية التي بقيت حتى الان وسمح لها في نفس الوقت بأن تتحول خلال القرون الخمسة الماضية الى منارة ثقافية وعلمية وعاصمة من عواصم الفقه المالكي، كما نجد هذه الروافد المختلفة ماثلة في العمارة الولاتية البديعة, وفي عادات سكان المدينة شديدة التحضر وسط عالم صحراء بدوي, يبدو غير مناسب تماما لهذه العادات الحضرية التي استقدمها الوافدون معهم من فاس وتلمسان وغرناطة وغيرها من الحواضر العربية العريقة في العمران والمدنية.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال