تعريف اللغة العربية.. منهج ونظام للتفكير والتعبير والاتصال وقد اهتم الفكر اللغوي الحديث بالكشف عن ماهية البنية اللغوية العميقة وتفسير عمل الآليات الدقيقة لمنظومة اللغة

اختلفت الآراء في تعريف اللغة العربية، فعلماء المعاجم العرب أجمعوا على أن كلمة (لغة) كلمة عربية أصيلة، ذات جذور عربية.

بينما ذهب فريق آخر إلى أن الكلمة منقولة من اللغة اليونانية (لوجوس)، ومعناها الكلام أو اللغة، ثمّ عرّبوها إلى لوغوس وأعملوا فيها الإعلال والإبدال، وغيرهما من الظواهر الصرفية، على النحو الذي رسمه (ابن جني) بقوله: "انتحاء سمت كلام العرب من إعلال، أو إبدال، أو حذف، أو إعراب، أو بناء حتى اندرجت ضمن الكلمة العربية على الوجه الذي نراه".(1)

أما الخليل بن أحمد الفراهيدي فقد ذهب إلى أن العرب تشتق في كثير من كلامها أبنية المضعف في بناء الثلاثي المثقل بحرف التضعيف، وكلام العرب مبني على أربعة أصناف: الثنائي والثلاثي والرباعي والخماسي.(2)

وآخرون قالوا بأن اللغة العربية مغرقة في القدم، فهي لغة مكتملة النمو، استطاعت أن تعبّر عن دقائق المشاعر الإنسانية، والصور، والأحاسيس.

وهي التي حدّدت هوية العربي, وهي تنحو في ثنايا تكوينها وخصائصها الذاتية منحى إنسانياً، وعالمياً، يصل إلى آفاق العالمية والإنسانية، وقد تجسّد هذا المنحى عندما أصبحت لغة الوحي الإلهي، واختارها الله ـ سبحانه وتعالى ـ لغة التنزيل العزيز إذ يقول في محكم آياته: "عربي مبين" (الشعراء2/195)، وكذلك أوحينا إليك قرآناعربياً" (الشورى7).

وهكذا وجدت اللغة العربية مجالها الحيوي في عالمية الدعوة الإسلامية بوصفها لغة القرآن.(3)

وأكّد بعضهم الآخر بأنها ليست أصواتاً، ورموزاً، ومواصفات، وتراكيب فقط، بل هي منطق، وأسلوب تفكير، ورؤية للحياة.
وهي أداة أساسية للعلاقات الثقافية الخارجية، حيث تملك كل المقومات التي تؤهلها.

فهي منهج ونظام للتفكير، والتعبير، والاتصال، إنها علاقة دالّة بين المعاني والألفاظ، بما يشكل نظاماً ونسقاً خاصاً، له قوانينه الداخلية الخاصة.

وهي سمة إنسانية لجنسنا البشري، فهي خاصة إنسانية، لاتعبّر فقط عن الأفكار بل تشكّلها.
والتفكير ليس إلا لغة صامتة.
واللغة تولّد الفكر.

وهي نظام دقيق، يتطلّب الكثير من المعارف، والمهارات، لأن عملية الاتصال بين المتكلم والمستمع، أو الكاتب والقارئ، تمرّ بعدة خطوات في غاية الدقة، وكل خطوة من خطوات عملية الاتصال هذه، تحتاج إلى تعليم، وتدريب، بطريقة مباشرة، وغير مباشرة، في الأسرة، ومن خلال المناهج المدرسية، والإعلام والفنون والآداب.(4)

هنا نستنتج بأن "مفهوم اللغة منهج ونظام للتفكير، والتعبير، والاتصال، وقد اهتم الفكر اللغوي الحديث، بالكشف عن ماهية البنية اللغوية العميقة، وتفسير عمل الآليات الدقيقة لمنظومة اللغة، تميّزت عندها اللغة العربية" بأنها واحدة من اللغات الإنسانية المعاصرة، التي يتحدّث بها الملايين من العرب، والمسلمين، وهي إحدى لغات منظمة الأمم المتحدة".(5)

(1) أبي بكر،عثمان بن عمر (بغية الدعاة2/134), مصر 1571هـ
- مأخوذة من الأصل: د.صلاح روّاي  (فقه اللغة وخصائص العربية وطرائق نموها)، الباب الأول – ص (37-39).
(2) الفراهيدي، الخليل بن أحمد (كتاب العين)- الجزء الأول – ص (42).
(3) د.خليفة، عبد الكريم (عالمية اللغة العربية ومكانتها بين لغات العالم)- ص (2-4-5).
(4) د.القرعي، أحمد يوسف (لغتنا العربية وعاء ثقافتنا)صنعاء/اليمن- ص (1-2).
(5) د. قمحاوي، عبد البديع (اللغة العربية للجميع)- ايسسكو- ص (1/3).
أحدث أقدم

نموذج الاتصال