حدود المجال الشعري.. الظهور المتأخر للشعر المعاصر. ضعف النقد وعدم تنشيطه الحركة الشعرية المعاصرة

الظهور المتأخر للشعر المعاصر في المغرب، حيث انبثقت حركة الشعر العربي المعاصر في أول أمرها بالمشرق بعد الحرب العالمية الثانية، في الوقت الذي كان فيه المغرب ما يزال يقف على عتبة الحركة الرومانسية.

ولم تهب رياح الشعر الحر على المغرب إلا بعد عام 1957 على شكل تفتيت للإيقاع تبعه تغيير في قوانين البعد البصري للنص الشعري.

وهذا الظهور المتأخر للنص الشعري المغربي أنتج عقدة نقص تنص على أن كل قصيدة ترد من المشرق هي قصيدة ذات قيمة فنية عالية، وأن كل قصيدة مغربية معاصرة هي أدنى مستوى.

وأخذ المغاربة على المشارقة عدم اهتمامهم بالنتاج الثقافي المغربي وتعريفهم به.

والواقع أن التقصير لا نراه من المشارقة إزاء نتاج إخوانهم المغاربة، وإنما هو من القوانين الجمركية بين الحدود الإقليمية التي تعامل الكتاب كسلعة تجارية، وتمنع وصول الكتاب المغربي إلى المشرق.

إضافة إلى أن المغرب قبل السبعينات كان مجرد مستهلك للنتاج الثقافي المشرقي، وكان إبداعه محدوداً.

ولكن بعد السبعينات، وبعد أن ترسخت في المغرب الأجناس الأدبية، وأثمرت المثاقفة مع الغرب، أبدع المغرب نتاجاً ثقافياً أصبح فيه رائداً للمشرق ذاته؛ في الفكر (عبد الله العروي) وغيره، والفلسفة (محمد عابد الجابري) وغيره، والرواية (عز الدين التازي) وغيره، والمسرح (عبد الكريم برشيد والطيب الصديقي) وغيرهما، والنقد الأدبي (محمد برادة، ونجيب العوفي وعبد الفتاح كيليطو، ومحمد مفتاح)، وغيرهم، والشعر الحر (عبد الكريم الطبال) وسواه.

وبهذه النهضة الثقافية القومية كاد المغرب يقود الوطن العربي ثقافياً.
- ضعف النقد وضآلته وعدم قيامه بدوره الفاعل في تنشيط الحركة الشعرية المعاصرة في المغرب والتنظير لها. فقد كان مجرد عرض صحفي سريع، أو تقليدي.

- الشعر والتردد بين اليمين واليسار، بسبب التبدلات الخطيرة في الوعي الاجتماعي، والتي حدثت بعد استقلال المغرب، فقد خرجت بعض القصائد على السلطة البلاغية، وتجمّع شعراؤها حول مجلة (أقلام) المغربية التي يمكن اعتبارها لعبت في الحركة الشعرية المعاصرة في المغرب دوراً شبيهاً بالدور الذي لعبته مجلة (الآداب) البيروتية بالنسبة لحركة الشعر الحر.

كما نشير إلى ماكانت تنشره جريدة (العلم) في ملحقها الثقافي.
وهذا من المفارقات؛ إذ أن جريدة (العلم) كانت لسان حال حزب الاستقلال الوطني الليبرالي، إلا أن المفارقة تزول عندما نعلم أن الحزب في تلك الفترة (1964 ـ 1975) كان في صف المعارضة خارج السلطة.

في الباب الثالث والأخير تحدث الباحث عن (المجال الاجتماعي والتاريخي) الذي تمّ فيه الإبداع الشعري المغربي المعاصر، فرأى أن البنيات الثلاث: البنية الشعرية، والبنية الثقافية، والبنية الاجتماعية والتاريخية متكاملة ومتفاعلة فيما بينها: فالقراءة الداخلية للمتن الشعري تقدم لنا خطوة نحو (فهم) القوانين المتحكمة في وجود هذه البنية الداخلية.

وهذا الفهم يحتاج إلى (تفسير) يتعيّن التماسه في البنية الثانية/ الثقافية.
غير أن هذا التفسير يظل مجرداً إذا لم نصل إلى البنية الثالثة/ الاجتماعية والتاريخية التي تمكننا من القبض على المفاتيح الحقيقية في تفسير العمل الأدبي.

ويرى الباحث أن ما يميز المنهج الاجتماعي التاريخي هو نقده العنيف لنظرية (الإلهام) التي تزكي التفسير الميتافيزيقي للعمل الأدبي، وارتباطه بالتحليل الموضوعي لطبيعة العمل الأدبي التي هي اجتماعية في نهاية التحليل.

ومن ثم فإن من مزايا الفكر الجدلي مقولة أن المبدع للثقافة والفكر ليس فرداً وإنما هو الفئة الاجتماعية المحددة تاريخياً واجتماعياً، يقول غولدمان: "إن الفرد، هذه الوحدة الفاعلة والمنبنية التي تسمح بمعرفة ذات دلالة، لعمل ما، ليس فرداً، وإنما هو حقيقة فوق فردية، إنها فئة اجتماعية متميزة تتعارض مع فئات اجتماعية أخرى".

وظاهرة الشعر المغربي المعاصر هي تجسيد لوعي تاريخي محايث لوعي طبقي: وعي تاريخي لأنها تمثل الوعي الأكثر تقدماً في المرحلة التاريخية التي وجدت فيها، ووعي طبقي لأنها تطرح مشاكل وحلول طبقة اجتماعية محددة تاريخياً.

وعلى هذا فإن العمل الأدبي هو كل متكامل ومتجانس، يتوفر على وعيه الخاص، وعلى فرادة رؤياه للعالم، يقول غولدمان: "كل عمل عظيم يتضمن رؤية للعالَم موحدة تنظم جملة معانيه.

ومن أجل أن يكون هذا العمل عظيماً ينبغي أن نقدر على إيجاد أنواع الوعي بالقيم الأخرى المرفوضة داخله، والمقهورة من شرف الرؤية التي تؤسس وحدة العمل".

والواقع أن أهم ما في كتاب بنّيس هو منهجه (البنيوي التكويني) الذي عندما يُطبّق جيداً فإنه يعطي نتائج باهرة.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال