استعمال الوثائق الأرشيفية في حل النزاعات العقارية عبر التاريخ.. تغطية الأرشيف كل مجالات الذاكرة الوطنية وتأصيلها على التراث الشفوي



استعمال الوثائق الأرشيفية في حل النزاعات العقارية عبر التاريخ

يمكن أن نسأل التاريخ إن كانت فيه سوابق في استعمال الوثائق الأرشيفية في حل النزاعات العقارية؟

حفظ الوثائق الضامنة للأصالة:

نجد الجواب عند اليونان، إذ كانوا من السباقين إلى الاهتمام بحفظ الوثائق الضامنة للأصالة Authenticité، وكان يتم إيداعها في الأركيون (l'Archéon)، أي المقر الخاص بالقضاة، حيث تستعمل كسندات إثبات في حالة النزاع، وكان لكل مواطن الحق في الإطلاع على أرشيف الدولة و القيام بنسخها.

ويكفي أن تكون هذه الوثائق محفوظة في المقرات الحكومية لتكتسي قيمة أصلية للإثبات و التصديق.

الصفقات التعاقدية بين المواطنين:

ومن بين الوثائق التي كان يستعملها اليونان، على الخصوص، تلك المتعلقة بالصفقات التعاقدية بين المواطنين، كان يقوم بهذه الوظيفة شخص يطلق عليه اسم "منيمون" باللغة اليونانية أو "Memory man" باللغة الإنجليزية، أي "رجل الذاكرة" الذي كان يحرر سندات الملكية، و القائم في نفس الوقت بوظائف أرشيفية.

وقد كانت هذه الوثائق الأرشيفية في أول الأمر تعتبر أرشيفا خاصا، ثم أصبحت تدريجيا أرشيفا عموميا.

إن الوظيفة المزدوجة القائمة على تسجيل الوثائق الأرشيفية ذات الصبغة التوثيقية و دراسة أوراق الدولة يقوم بها أمين متخصص بالأرشيف.

و على ضوء ما سبق يمكن القول أن الذي يملك الوثيقة المكتوبة الأصلية يملك أهلية استعمالها، وبالتالي يستطيع فرض إرادته في استرجاع و إحقاق حقوق المواطنين المشروعة التي فقدوها في مرحلة ما من مراحل حياتهم أو حياة أسلافهم.

أهمية الذاكرة الوطنية وتدعيمها بالأرشيف المكتوب:

و بعد ما سلطنا الأضواء، و لو بإيجاز، على أهمية الذاكرة الوطنية وتدعيمها بالأرشيف المكتوب الذي يحتوي على الوثائق ذات الطابع ألإثباتي، والمساهم بصفة جذرية في تدعيم وتوسيع وتأصيل مجال الذاكرة الوطنية على التراث الشفوي الذي كان يتناقله الأجيال في الماضي عن طريق الراوية الشفوية و المهدد بالتحريف والزوال.

ويبقى السؤال المطروح، هل يمكن للأرشيف أن يقوم بتغطية كل مجالات الذاكرة الوطنية بمفهومها الأكثر عمقا؟

إعادة النظر في مفهوم الذاكرة الوطنية:

وهذا أصبح اليوم في مجال الممكن بفضل التطور الهائل لوسائل و تكنولوجيات الإعلام الجديدة التي لها القدرة على تسجيل التلقائي والطبيعي لمختلف الأحداث والأنشطة وضمان ارتباطها العضوي، أكثر مما كانت عليه في الماضي، إذ كانت تنجز بالوسائل الكلاسيكية، ما يؤدي إلى إعادة النظر في مفهوم الذاكرة الوطنية حاليا و ذلك على ضوء تطور في ميدان الإعلام الآلي الذي أحدث ثورة عارمة في المجتمع البشري في بداية الألفية الثالثة.