يستند الدكتور هلال في قيامه بتضييق ميدان الأدب المقارن وتحويله إلى مجرّد نوع خاصّ جدّاً من التاريخ الأدبيّ، أيّ "تاريخ العلاقات الدولية"، إلى حجة أساسية مفادها أنّ الدراسات المقارنة ينبغي ألاّ تكتفي بعرض الحقائق، بل عليها أن تفسّرها تاريخياً.
ومن الواضح أن الدكتور هلال ينطلق من فهم معيّن لما هو "تاريخي"، فهو يلحق بهذه اللفظة قوله: "مدعماً بالبراهين والنصوص من الآداب التي يدرسها"، وهذا يعني أنّ مفهوم الدكتور هلال "للتاريخي" حدا به لأن يحصره في الظواهر التي تقوم بينهما صلات سببية قابلة للإثبات بصورة ميدانية، أيّ بالوثائق والأدلّة.
ولكن من المفيد هنا التذكير بأنّ مفهوماً وضعياً إمبيرياً ضيّقاً للتاريخ كهذا المفهوم الذي أخذ به الدكتور هلال بصورة غير نقدية عن أساتذته الفرنسيين، ليس المفهوم الوحيد، وبالتالي فإنّ نمط المقارنات التي يدعو إليها الدكتور هلال ليس النمط الوحيد المشروع.
فبوسع المرء أن يقارن بين ظواهر ثقافية تنتمي إلى مجتمعات مختلفة، لم تقم بينها صلات تاريخية من النوع الذي يشترطه الدكتور هلال كي تكون المقارنة مشروعة في نظره، ومن الممكن أن يكون لتلك الموازنات قيمة علمية تتجاوز قيمة الموازنة بين "زهرة وحشرة".
وفي هذه الحالة يكون مثل المقارن كمثل عالم الأحياء الذي يقارن أشكال ظهور الزهرة نفسها، أو الحشرة نفسها، في قارات مختلفة، مع مراعاة الفوارق الجوهرية بين الظواهر الثقافية والظواهر الطبيعية.
وبالطبع إذا وُجدت صلات بين الظواهر الأدبية التي نقارن بينها فإننا لن نتجاهل تلك الصلات، بل سنوليها اهتماماً كبيراً، لكننا لن نتخلى عن المقارنة لمجرّد عدم توافر صلات كهذه.
فالقسم الأكبر من المقارنين بات لا يرى في البرهنة على وجود علاقات تأثير وتأثر بين آداب قومية مختلفة هدفاً نهائياً للأدب المقارن.
ولهذا فإنهم لم يعودوا مستعدين لأن يحصروا اهتمامهم ومقارناتهم في تلك العلاقات.
إنّ ما يعني المقارنين هو تتبع ظاهرة أدبية معينة، فنية كانت أم مضمونية، في آداب قومية مختلفة، سواء وجدت بينها علاقات تأثير وتأثر أم لا.
فدراسة ظهور جنس أو تيار أو أسلوب أدبي ما في آداب قومية متعددة، والكشف عن أوجه التشابه والاختلاف بين تلك الآداب فيما يتعلق بالظاهرة الأدبية المقارنة، مسألة مثيرة وذات قيمة معرفية كبيرة في الحالين: في حال توافر علاقة أدبية، وفي حال عدم توافرها.
والأدب المقارن مطالب في كلّ الأحوال بتقديم تفسيرات مقنعة لما يثبته من أوجه تشابه واختلاف.
التسميات
أدب مقارن