من الناحية الفعلية أو العملية إنّ التوجّه التاريخي الوضعي لدراسات التأثير لم يتمكّن من أن يمنع المقارنين الذين يمارسون هذا النوع من الدراسات من القيام بنشاط تقييمي، أي بدور نقدي. فالمفاهيم نفسها قد تخون أصحابها.
إنّ فعل "أثّر" يعني لغة ترك في الآخر أثراً، أي أن المؤثّر هو بالضرورة الطرف الفاعل والإيجابي.
أمّا التأثر فهو التعرض للتأثير.
"تأثّر به" يعني لغة "حصل منه على أثر" أو "ظهر فيه الأثر".
والتأثر هو الانفعال، أي ردّة فعل على مؤثر خارجي، وهو سلوك سلبي.
فالتأثير أمر إيجابي ضمناً، خلافاً للتأثر، فهو أمر سلبي، اعترف المرء بذلك أم لم يعترف.
وبالفعل فإنّ دراسات التأثير والتأثر قد تحولت عملياً إلى شكل من أشكال دراسات "السرقات الأدبية"، يقوم فيها الطرف المتأثر بدور "السارق"، بينما يقوم الطرف المؤثر بدوره "المسروق"، وبذلك يتحول الطرف المؤثر إلى الأصل أو "المنبع" أو "المصدر"، وهو لذلك الطرف الأصيل، خلافاً للطرف المتأثر، فهو التابع المقلّد الذي يفتقر إلى الأصالة.
ولا عجب بعد ذلك في أنّ تورّط دراسات التأثير والتأثر في النقاش الدائر حول الأصالة، وهي قيمة نقدية، لا بل أن يصبح إثبات أصالة أدبنا القومي هدفاً رئيساً لتلك الدراسات.
وهكذا تحولت دراسات التأثير إلى شكل من أشكال النقد الأدبي، وسقط أحد المقومات المنهجية للاتجاه التاريخي الوضعي في الأدب المقارن.
التسميات
أدب مقارن