إن الدراسات المقارنة قد سدت فجوة في كتابة تاريخ الآداب القومية، تلك الثغرة التي خلفها التأريخ الذي حصر نفسه داخل حدود كلّ أدب قومي، وأغفل الامتدادات والأبعاد الخارجية التي تتجاوز الحدود اللغوية القومية للآداب.
إنّ تأريخ أدب قومي ما، كالأدب الفرنسي، لا يجوز له أن يقتصر على أحقاب ذلك الأدب وأجناسه ومدارسه الفنية والفكرية وأعلامه.. الخ، فتأريخ كهذا يغفل جانباً أساسياً من جوانب الأدب الفرنسي، ألا وهو علاقاته بالآداب الأوروبية الأخرى، كالأدبين اليوناني القديم والروماني، والأدب الإنكليزي والألماني والإٍسباني والروسي، كما يغفل علاقة الأدب المؤرَّخ بالآداب غير الأُوروبية، كآداب شعوب العالم الثالث.
من هذه الزاوية كان الأدب المقارن الذي مارسته المدرسة الفرنسية التقليدية في صورة دراسات التأثير مفيداً.
فقد برهن على صحّة مقولة تناساها كثيرون في غمرة تحمسهم لأدبهم القومي، واندفاعهم في الذود عن "أصالته" و "تفرده" و "خصوصيته" و "عبقريته".
وسواء كان ذلك مقصوداً أم لا، فإنّ دراسات التأثير والتأثر قد برهنت على بطلان مقولة "الاكتفاء الذاتي" للآداب القومية واستقلالية تلك الآداب وتفردها.
فليس هناك أدب قومي لم يتأثر بالآداب القومية الأخرى بصورة من الصور. كذلك فإن لأصالة الأدب القومي وخصوصيته وتفرده حدوداً.
فقد دلّت دراسات التأثير والتأثر على أنّ هذه الأمور نسبية، وأن الآداب في حالة تفاعل وتبادل، وأخذ وعطاء، واستيراد وتصدير.
وبذلك شكّلت دراسات التأثير والتأثر رداً على دعاة التعصب القومي في الأدب الذين يزعمون أن أدبهم أصيل بصورة مطلقة، وخالٍ من المؤثرات الغريبة.
لقد ساهمت دراسات التأثير في تجاوز ضيق الأفق القومي في الدراسات الأدبية، فأضعفت بذلك الشوفينية الأدبية.
وهذا مكسب مهمّ، إذا أخذ المرء في الاعتبار حقيقة أنّ تلك الشوفينية مكوّن رئيس من مكوّنات الشوفينية السياسية، التي كانت الأساس الإيديولوجي للنازية والفاشية وغيرهما من الحركات والاتجاهات الدكتاتورية العنصرية الحديثة.
التسميات
أدب مقارن