الدور الثقافي للتلفزيون والفيديو والحاسوب.. تراجع استقبال الأعمال الأدبية المكتوبة وصعود أشكال من الإنتاج الثقافي كالدراما التلفزيونية

لم يعد العصر الحاليّ عصر الثقافة المقروءة بالدرجة الأولى، بل عصر الثقافة المسموعة والمرئية والمحوسبة، ومن أبرز سمات الثقافة في هذه المرحلة بروز تلك الأنواع والأشكال الثقافية المرتبطة بالبث التلفزيوني والفيديو والكومبيوتر.

لقد كان لتعاظم الدور الثقافي للتلفزيون والفيديو والحاسوب تأثير كبير على تلقي الأدب، تمثل في تراجع استقبال الأعمال الأدبية المكتوبة من جهة، وصعود أشكال من الإنتاج الثقافيّ، وعلى رأسها الدراما التلفزيونية من جهة أخرى ترى هل يتجاوب الأدب المقارن مع تلك التطوّرات الثقافية الهائلة، فيواكبها ويتعامل معها بصورة إيجابية، ويتناول نتاجاتها وموادّها وأشكالها بالدرس المقارن، أم يتجاهلها، ويعتصم في برجه العاجيّ ويتصرّف كالنعامة التي تدفن رأسها في الرمال؟

في الحالة الأولى هناك من يتخوّف من أن يتحوّل الأدب المقارن إلى "نقد تلفزيوني" مقارن أو إلى نقد ثقافي مقارن.
إنّ اعتراضات واحتمالات كهذه لا يجوز أن تخيف المقارنين.

فالمهم في الأمر هو أن يواكب الأدب المقارن ما تشهده الساحة الأدبية والثقافية من تطوّرات، وأن يقارن نتاجات أدبية وثقافية معاصرة تنتمي إلى مجتمعات وثقافات ولغات مختلفة.
وأن يساهم في تطوير الثقافة العربية.

وليس خافياً على أحد أنّ الانتقال من الأدب المقروء والثقافة المقروءة إلى الأدب والثقافة المسموعين - المرئيين يحمل في طياته أخطاراً كبيرة، وفي مقدّمتها خطر سيطرة الثقافة المعلّبة التي تبثّ قيماً لا إنسانية تُنشر بوساطة أساليب الإثارة المنحطّة، كالعنف والجنس.

وهذا خطر كبير يحدق بالبشرية، وهو يقتضي أن يكون الأدب المقارن انتقادياً، يكشف ويفضح ما يمارس عبر وسائل الاتصال الجماهيري من تزييف للوعي الإنسانيّ وتلاعب به.

إلاّ أن تلك الوسائل تنطوي أيضاً على فرصة إيصال المادّة الأدبية والثقافية الجيّدة إلى جمهور واسع من المتلقين، ولذا من الخطأ الدعوة إلى مقاطعة تلك الوسائل وتجاهلها ورفض كلّ ما تنقله.

فليس هناك ما هو أخطر على الثقافة الجيّدة من التقوقع والنخبوية والابتعاد عن الجماهير.
ومن الضروري أن ينتبه الأدب المقارن إلى مخاطر تلك النزعة.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال