في الأعوام الأخيرة ازدهر في الدراسات المقارنة ذلك النوع من الدراسات الذي يتخذ من نظرية التناص أساساً له.
وشيئاً فشيئاً يحلّ هذا النوع من الدراسات محلّ التأثير والتأثر التي يقدّم نفسه بديلاً لها.
إن دراسة علاقات التناصّ بين أعمال من الأدب العربيّ وأعمال من الآداب والثقافات الأجنبية هي مكمّل جيّد لدراسات التلقي الإبداعيّ.
فهذا يؤدي بالضرورة إلى ظواهر تناصّ بين الأدب العربي والآداب الأجنبية.
إنّ الدراسات المقارنة التي تستند إلى نظريتي التناصّ والتلقي الإبداعيّ المنتج كفيلة بتصحيح النظرة إلى علاقة أدبنا بالآداب الأجنبية، وبأن تضع حدّاً لكلّ ذلك الجدال حول "السرقات الأدبية" وحول خضوع الأدب العربي الحديث لمؤثرات أجنبية أفقدته أصالته.
فالنصّ الأدبي العظيم، المتطوّر فنيّاً وفكريّاً، هو بالضرورة نصّ ينطوي على درجة عالية من التناصّ والتأثر والتلقي الإبداعيّ.
لقد وضعت نظرية التناصّ ودراساتها مسألة الأصالة في سياقها الصحيح، وأظهرت أنّ النصوص الأدبية متشابكة ومترابطة فيما بينها بصورة لا تنفصم، وأنه ما من نصّ إلاّ ويحمل في طياته علاقات وثيقة مع عدد كبير من النصوص الأخرى، وكلّما كانت درجة التناصّ أعلى كان العمل الأدبيّ أعظم وأكمل.
إنّ دراسة علاقات التناصّ بين أعمال من الأدب العربي وبين الآداب والثقافات الأجنبية هو أمر ينطوي على فائدة معرفية كبرى.
وهذه الدراسة لا تقلل من أهمية الإنجازات الفنيّة والفكريّة التي حققها الأدب العربي الحديث، بل تضع حدّاً لمحاولات الانتقاص من تلك الإنجازات عبر "الكشف" عن مؤثرات أجنبية فيه.
فليس العيب أن يتضمّن الأدب العربي الحديث مؤثرات كهذه، بل العيب كلّ العيب هو أن يخلو من تلك المؤثرات.
فهي دليل على أن الأدب العربي الحديث أدب حيّ، يتفاعل مع الآداب والثقافات الأجنبية مستقبلاً ومرسِلاً.
التسميات
أدب مقارن