لئن كان العالم المعاصر يخطو بسرعة مذهلة نحو "عولمة الثقافة"، فإنّ تلك العولمة العشوائية تفرز في مناطق كثيرة نزعات انعزالية وأصولية لها تعبيرات فكريّة وأدبية وثقافية متشابهة، على ما بينها من اختلاف.
إنّ باستطاعة الأدب المقارن أن يقدّم لنا الشيء الكثير، وذلك بدراسة النتاجات الأدبية والثقافية لتلك النزعات دراسة مقارنة، تظهر ماهو مشترك بينها.
والشيء نفسه يمكن أن يقال فيما يتعلق بقضايا رئيسة معاصرة، كقضيّة الغربة وفقدان الشعور بالطمأنينة في الوطن وبين الأهل.
فالغربة ظاهرة عالمية لها تعبيرات أدبية وثقافية لا حصر لها في آداب وثقافات كثيرة، وبوسع الأدب المقارن أن يقدّم لنا الكثير إذا قام بدراسة تلك النتاجات الأدبية والثقافية دراسة مقارنة.
ومن القضايا الرئيسة لهذا العصر قضية الحركات والأنظمة الشموليّة، التي تنتهك حقوق الإنسان وحرياته الديمقراطية الأساسية، وترتكب جرائم الإبادة الجماعية وجرائم ضدّ الإنسانية، وهذه ظاهرة عالميّة تشكّل خطراً على الإنسانية والحضارة.
من الخطأ الاعتقاد أن هذه الظاهرة قد اختفت من العالم باندحار النازيّة والفاشيّة وبسقوط الشيوعيّة الستالينية.
والدراسة المقارنة للظاهرة المذكورة وتجليّاتها الفكريّة والأدبية والثقافية يمكن أن تساعد كثيراً في فهمها والتصدّي لها.
وقضية المرأة وما تتعرض لها من تمييز وظلم وقمع وتضليل هي بدورها موضوع عالميّ ذو تعبيرات أدبية وثقافية كثيرة من الضروري أن تدرس دراسة مقارنة.
وما قلناه عن هذه القضية يمكن أن يقال عن قضايا كثيرة أخرى كموضوع الشبيبة، والهوية الوطنية في زمن العولمة، وغير ذلك من القضايا الثقافية والاجتماعية الراهنة في مجتمعنا العربي ومجتمعات كثيرة أخرى.
إنها قضايا جوهريّة يستطيع الأدب المقارن أن يقدّم مساهمة كبيرة في فهمها والتعامل معها.
وعندما يقوم الأدب المقارن بذلك فإنه يقاوم التهميش ويضع نفسه في صلب المعركة الثقافية المعاصرة التي يخوضها مجتمعنا على مشارف القرن الحادي والعشرين.
(1) إنّ أبرز هؤلاء المنظرين هو الأمريكي صموئيل هانتينغتون: الإسلام والغرب - آفاق الصدام. تر. مجدي شرشر. القاهرة، مكتبة مدبولي، 1995.
التسميات
أدب مقارن