إذا كان رواد الشعر الحر قد اتفق معظمهم على أن الحداثة موقف شامل من قضايا الحياة وإن لم يميز بعضهم بين الحداثة والمعاصرة أو بين الحداثة والتجديد فإن معظمهم يتفقون على أن الحداثة أشمل من التجديد.
فالتجديد وإن تضمنته الحداثة لا يعني أن كل تجديد حداثة فالتجديد قد يكون جزئياً في الشكل أو في الموضوع أو في جنس أدبي دون آخر أو في جانب من جوانب الحياة فحسب.
غير أن الحداثة وإن كان التجديد مظهراً من مظاهرها فإنها ثورة شاملة في الفن والحياة.
فهي لا تتصل بجانب معين من الحياة إنما بكل جوانبها لأنها موقف عام.
ومن هنا فالحداثة أعم من التجديد، ولكن لا حداثة بدون تجديد.
وكما أن الحداثة نسبية في جوهرها من حيث أن لكل عصر حداثاته ولكل بيئة حداثتها ولكل شاعر حداثته كذلك يعد التجديد نسبياً من حيث ارتباطه بالتراث.
فالتجديد لا يمكن أن يكون خالصاً من القديم وإلا كان شذوذاً وجنوناً.
إنه ينطلق من التراث ذاته فيعدل في عناصره أو يعيد تشكيلها على ضوء التجربة الجديدة أو يبتكر أشكالاً جديدة أو قيماً فنية أو معنوية تتطلبها الحياة.
والجدة الشعرية من هنا نسبية لارتباطها بالموروث الشعري من جهة، ولارتباطها بلغة ذات أصل اجتماعي من جهة أخرى.
بل إن التجديد نسبي حتى لدى الشاعر الواحد إذ قد يبدأ مجدداً وينتهي مقلداً أو العكس.
وقد يجدد في جانب دون آخر، كأن يجدد في الوزن أو اللغة أو الموضوع أو في كل ذلك.
والتجديد من هنا قد يكون جزئياً كما يمكن أن يكون عاماً متى أصبح نتيجة رؤية جديدة تدل على عقلية جديدة.
وفي هذه الحال يصبح التجديد حداثة لأنه موقف جديد من العالم.
ومثلما أنه لا حداثة بدون تجديد كذلك لا حداثة بدون أصالة.
فالحداثة ضد التقليد، والتقليد نفي للأصالة لأنه دليل على شخصية سلبية تعيد إنتاج الموروث كما هو.
أما التجديد فهو يدل على الشخصية الإيجابية التي تهضم التراث وتعيد تشكيله بطريقة جديدة تميز الشاعر من غيره.
وعلى هذا فإن كل إبداع أصيل ينطوي بالضرورة على درجة عالية أو على درجة من الجدة، في حين أن الجدة لا تنطوي بالضرورة على إبداع أصيل.
ذلك أنها قد تكون شكلية خارجية لا تنبع من التجربة أو تقليداً لجديد أجنبي. وفي هذه الحال لا يمكن أن تكون معياراً لحداثة العمل الفني لأنها دليل على العجز لأعلى الإبداع والخلق.
التسميات
دراسات شعرية