يؤكد أدونيس ما ذهب إليه زملاؤه فيقرر أن الحداثة موجودة في المجتمعات المختلفة في الماضي والحاضر، ولكنها تختلف من بيئة إلى أخرى ومن زمن إلى آخر من حيث أبعادها وأشكالها.
فالحداثة هي دائماً حداثة شعب في أوضاع تاريخية معينة وليست مطلقة.
فالحداثة العربية ليست حداثة غربية أو مستوردة وإنما هي قديمة في تراثنا العربي الإسلامي.
ولا ينبغي دراسة هذه الحداثة من خلال مقاييس خارجة عنها بل يجب دراستها بمقاييس مستمدة منها.
إن حداثة الشعر العربي لا يصح أن تبحث إلا استناداً إلى اللغة العربية ذاتها، وإلى شعريتها وخصائصها الإيقاعية التشكيلية، وإلى العالم الشعري الذي نتج عنها، وعبقريته الخاصة في هذا كله.
وبهذا لا يجوز الانطلاق من مقاييس محددة مسبقاً للحداثة عند أدونيس إذ لكل حداثة قواعد خاصة بها.
ولكن لا يعني هذا أن حداثة عصر إلغاء لحداثة عصر آخر، فلا وجود لقطيعة بين الحداثة والقدامة وإنما هناك فروق بينهما في استخدام عناصر قديمة استخداماً حديثاً من ناحية وفي المناخ المرتبط بالعصر وثقافته من ناحية ثانية، وارتباطها بالرؤيا من ناحية ثالثة.
فالحداثة استمرار لحداثة أخرى، ولا يعني أن الحديث زمنياً أفضل من القديم بالضرورة بل قد يكون العكس صحيحاً.
فرينيه شار مثلاً أو سان جون بيرس أو بنفوا ليس أكثر حداثة من هيراقليس أو هولدرلين أو بودلير أو ملارميه، ولا أبو نواس وأبو تمام والمتنبي والمعري مثلاً أكثر حداثة من امرئ القيس ولا السياب أو خليل حاوي أو يوسف الخال أو عبد الصبور أكثر حداثة من هؤلاء.
لكل شاعر حداثته الخاصة ولكل حداثة مقاييسها المختلفة.
والحداثة عند أدونيس ليست مقياساً للجودة الفنية في ذاتها بل الإبداع هو الأساس.
لا يقيم الشعر بحداثته بل بإبداعيته إذ ليست كل حداثة إبداعاً، أما الإبداع فهو حديث بالضرورة.
أي أن هناك حداثة حقيقية وأخرى زائفة وأن التمييز بينهما إنما يكون انطلاقاً من الإبداع.
ويميز أدونيس بين الحداثة والإبداع فيذهب إلى أن الحداثة هي مرادف للتغيير، أما الإبداع فهو إعادة النظر المستمرة في كل تغيير مهما كان محتواه ونوعه، وهو إعادة النظر الدائمة في كل حداثة.
وهذا يعني أن التغيير قد يكون إيجابياً وقد يكون سلبياً وأن التمييز بينهما إنما يكون عن طريق الإبداع.
فالإبداع عند أدونيس هو المقياس الذي به نحدد الصحيح من الزائف في تقويمنا للحداثة من حيث هي تغيير.
على أن أدونيس كثير التناقض مع ذاته لتعدد منطلقاته وعدم دقة استعمال المصطلحات مما يضطره إلى الاستدراك والتغير والتعديل.
فهو يربط الحداثة بالزمن حيناً ويطلقها حيناً آخر ويخلط بين الحداثة والإبداع بعد أن ميز بينهما.
وهو يجعل الحداثة مقياساً للشعر في مواقف ويضع الإبداع المقياس بعد ذلك، ويدين النظر إلى الحداثة بمقاييس خارجية أو غربية ثم يقيس الحداثة العربية بذلك.
وهو نفسه يقر أنه تعرف إلى أبي نواس من خلال بودلير وأبي تمام من خلال ملارميه.
ويدين الحداثة الشكلية أو ما يسميه وهم الحداثة ولكنه ينظر إلى الحداثة الغربية من حيث أنها أبنية وأشكال لغوية دون ربطها بالعقلية الغربية كما يقر بذلك.
ويقرر من جهة أن الحداثة مرتبطة بما قبلها وبما بعدها وأنها انقطاع وتواصل، ثم يذكر في مواقف أخرى أن الحداثة خرق جذري وشامل لما هو سائد وأنها رفض ونفي لما سبق.
وهو كثير الحديث عن الحداثة أكثر من ممارسته لعملية التحديث حتى أصبح حديثه ذلك غطاء إيديولوجيا أكثر منه معرفة.
التسميات
دراسات شعرية