الأدب المقارن واستيعاب مستجدات الفكر النقدي.. ممارسة دراسات التأثير والتأثر على الصعيد التطبيقي

ليس خافياً على أحد أنّ العصر الذي نعيش فيه هو عصر التحولات السريعة، ليس في الصناعة والتقنية والعلوم الطبيعية والتطبيقية فحسب، بل في العلوم الإنسانية أيضاً، ومنها علوم الأدب.

والأدب المقارن بصفته واحداً من تلك العلوم، مطالب أيضاً بأن يتطور بسرعة مناسبة لإيقاع هذا العصر.

ولا يجوز أن يقتصر التطور المطلوب على الجوانب النظرية، بل من الضروري أن يشمل الجوانب التطبيقية أيضاً.

لم يعد مقبولاً أن يعلن مقارنون انفتاحهم على اتجاهات جديدة في الأدب المقارن وتبنيهم لها، كالمدرسة الأمريكية (النقدية) من جهة، وأن يواصلوا على الصعيد التطبيقي ممارسة دراسات التأثير والتأثر كما فعل بعض المقارنين العرب.

إنّ البطء في استيعاب مستجدات الفكر النقدي، وعدم انسجام التطبيق مع التنظير، هما عاملان يفقدان الأدب المقارن الكثير من ديناميكيته، ويهمشان دوره في الدراسات الأدبية.

وهذا، في رأينا، مصدر ماهو حاصل حالياً في مضمار الأدب المقارن من ركود، وهو أمر يؤسف له أشدّ الأسف.

فالعلاقات الأدبية الدولية لم تكن في يوم من الأيام أكثف مما هي اليوم، وتفاعل الآداب وتداخلها لم يكونا يوماً أكبر مما هما اليوم.

ولذا فإنّ الحاجة إلى الأدب المقارن لم تكن في يوم من الأيام أكبر، وآفاق هذا العلم لم تكن أرحب مما هي عليه اليوم.
إلاّ أنّ الاستفادة من الفرص المهيأة للأدب المقارن تتوقف على المقارنين أنفسهم.

فبيدهم أن يستفيدوا منها بشكل جيد، وأن يضمنوا للأدب المقارن مكاناً مركزياً في الدراسات الأدبية، وبيدهم أيضاً أن يفوّتوا الفرص المتاحة، فيكون مصير الأدب المقارن مزيد من الجمود والركود والتهميش.

فكل علم من العلوم الإنسانية لا يواكب العصر ولا يقدّم إجابات عن أسئلته المستجدة يكون مصيره الزوال.

فأيّ مصير سيختار المقارنون لعلمهم، ذلك العلم الذي أثار آمالاً وتوقعات معرفية كبيرة؟
أحدث أقدم

نموذج الاتصال